الوقت-لم تحقق الجولات الأربع للمحادثات التركية مع الجانب الروسي في أنقرة وموسكو، والتي بدأت حول إدلب الأسبوع الماضي، نجاحًا كبيرًا. وركزت الجولات الأربعة الماضية على دراسة سبل إحلال السلام في إدلب ودفع عجلة العملية السياسية في سوريا، وهي نفسها اهداف محادثات سوتشي وأستانة الذي يؤكد عليه الجانب التركي كثيرًا. وضم الوفد التركي، نائب وزير الخارجية سادات أونال ومسؤولين من أركان القوات المسلحة التركية وجهاز المخابرات ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين والممثل الروسي الخاص في الشؤون السورية ألكسندر لافرينتييف بالإضافة الى مسؤولين امنيين وعسكريين اخرين.
وأجريت هذه الاجتماعات الأربعة في أنقرة وموسكو خلف أبواب مغلقة دون الخروج بنتيجة وبيان معين، مع إصرار الجانبين على عقد اجتماعات أخرى. وبعد الاجتماع الثالث مباشرة، أجرى رئيسا روسيا وتركيا محادثة هاتفية حول إدلب.
وعلى الرغم من أن تفاصيل الاجتماعات لم يتم نشرها رسميًا، إلا أن نظرا لما قاله المسؤولون الأتراك والروس حول المحادثات يمكن التكهن بالاجواء التي سادت الاجتماعات.
الرواية التركية والروسية للمفاوضات حول إدلب
وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو هو أحد المسؤولين الذين قالوا بعد الاجتماعات الأخيرة إن الجانبين تبادلا وجهات النظر حول وقف إطلاق النار المتبادل، والعودة مجددا إلى اتفاقية سوتشي والمفاوضات المشتركة. وإذا لم تنجح اجتماعات موسكو، فمن الممكن أن تعقد الاجتماعات على مستوى قادة البلدين في الأيام المقبلة. كما علق المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر شليك حول هذه اللقاءات قائلاً: "استمرت الاجتماعات ليومين متتاليين في موسكو. وجهة نظر تركيا في هذا الشأن واضحة للغاية. لقد أوضحنا بشفافية تامة للطرف المقابل، أنه إذا لم تمتثل الحكومة السورية لاتفاقية سوتشي، فسوف نقوم بالاستعدادات العسكرية اللازمة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كولين بهذا الخصوص: "لم تحدث أي نتيجة مرضية حتى الآن في المفاوضات. نحن لم نقبل العرض الروسي وهذه المفاوضات سوف تستمر. وفيما يتعلق بادلب، لم نتطرق لموضوع تغيير نقاط المراقبة العسكرية في إدلب." وأضاف كولن "ستستمر عمليات النقل هذه لحماية إدلب والمدنيين". لا يشك أحد في أننا سنرد بأقسى الطرق على اي هجوم تتعرض له قواتنا في إدلب.
ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة كوميرسانت التي تتخذ من موسكو مقرا لها، حول الاجتماعات: تعتقد سلطات موسكو أن أنقرة لم تف بمهمتها المتمثلة في التمييز بين الإرهابيين وبين المعارضة المسلحة المعتدلة. لكنهم في الوقت نفسه، يتحدثون عن وجود تفاهم كامل بين الجيش الروسي والتركي. وجاء في هذا التقرير: قام المسؤولون الدبلوماسيون والعسكريون الروس والأتراك خلال محادثاتهم في موسكو في الفترة من 17 إلى 18 فبراير بالتأكيد على ضرورة التزامهم بالاتفاقيات السابقة بشأن الحد من التوترات وتوفير الظروف لتسهيل الوضع الإنساني في منطقة خلض الصراع في إدلب.
استمر الاجتماع بمناقشات مفصلة حول الوضع العام في الجبهات في سوريا، مع التأكيد على تدهور الوضع الحالي في منطقة خفض الصراع في أدلب، وأخيراً تعهد الجانبان بالالتزام بالاتفاقيات القائمة بين موسكو وأنقرة والتي تم فيها اتخاذ تدابير تتعلق بخفض حدة الصراع والتوتر وتسهيل الوضع الإنساني في محافظة إدلب مع الاستمرار في مكافحة المجاميع الإرهابية في المنطقة المتوقعة.
لن يتحقق الأمن والاستقرار على المدى الطويل في إدلب وغيرها من المناطق السورية إلا بالتزام جميع البلدان بمبدأ احترام سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها.
وفي خضم محادثات أنقرة وموسكو، اتخذ أردوغان خطوة أخرى وأجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقالت الهيئة الرئاسية التركية في بيان حول الاتصال الهاتفي "ان الجانبان اتفقا على أن هجمات القوات الحكومية السورية في محافظة ادلب التي أسفرت عن مقتل 13 جنديا تركيا غير مقبولة."
تقدم الجيش السوري والعرض الروسي لتركيا
في هذا الصدد، يمكن القول أن وتيرة تقدم الجيش السوري في إدلب قد تسارعت، وان الانجازات التي تحققت خلال الأسبوعين الماضيين هي إنجازات ذات قيمة عسكرية وسياسية تُحتسب للجيش الذي يأتمر بأمر الرئيس السوري بشار الأسد ولا يمكن إنكارها. ولكن أردوغان وفريقه السياسي الأمني يقاومون حقيقة المشهد ويرفضون قبول حقيقة أن دمشق وموسكو قد اتخذتا قرارًا حازمًا لتطهير وتحرير ادلب بالكامل. ووفقًا للمحادثات، هناك مسألتان رئيسيتان: أولاً ان هذا الاجتماع لم يحقق أي نتيجة، وثانياً، ان روسيا قدمت مقترح مشروع لا يتناسب مع المصالح التركية.
أبلغت بعض المجاميع السياسية والأخبار عن الخطة المقدمة إلى تركيا بأن موسكو عرضت على أنقرة سحب قواتها بالقرب من الحدود التركية وان تستقر قواتها على بعد 6 كيلومترات من حدودها، وبالتالي إنشاء منطقة بطول 6 كيلومترات داخل الأراضي السورية باعتبارها منطقة آمنة لتركيا، والتي يمكن أن تستوعب اللاجئين السوريين أولاً، وتمنع دخول القوات الإرهابية إلى أراضيها ثانيا (ذات النقاط التي تستند عليها تركيا في تبرير نشر القوات العسكرية في إدلب).
هذا الموضوع لم ينل رضا الوفد الروسي فحسب، وانما لم يُعجب الجانب التركي ايضا، وربما على هذا الأساس ادلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم امس بتصريحات غريبة مفادها أن قواته مستعدة للعمل في إدلب ومن الممكن ان تبدأ هذه العمليات في أي آن.
لماذا يهدد أردوغان بالهجوم على ادلب؟
وأضاف أردوغان: لن نسلم ادلب للأسد وأنصاره. نحن على استعداد لتوفير الأمن في إدلب لشعب تركيا والمنطقة بأي ثمن. لدينا خطتنا المعمول بها في إدلب، ونحن مستعدون لبدء العمليات كما فعلنا في العمليات السابقة.
النقطة المهمة هي أن عمليات تركيا هذه المرة، على عكس ما حدث في الماضي (عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام)، لن تكون ضد مجموعات مسلحة وإرهابية، بل سيتم توجيهها ضد الجيش السوري، وإذا تم ذلك، فسيواجهون ردود فعل قوية من دمشق والبلدان المؤثرة في سوريا والمجتمع الدولي.
وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: إذا كان الإجراء التركي ضد قوات الحكومة السورية الشرعية مؤكدًا، فسيكون هذا هو أسوأ سيناريو بالنسبة لأنقرة.
وبشكل عام يمكن القول ان عمليات الجيش السوري في شمال غرب البلاد، اثارت العديد من المخاوف لتركيا، بما في ذلك موجة النازحين، والقضاء على الجماعات الإرهابية المرتبطة بأنقرة وفقدان مليارات الدولارات من الإنفاق للتأثير على النفوذ السياسي في مستقبل سوريا. لهذا السبب لجأت تركيا إلى استخدام اساليب متنوعة، بما في ذلك المفاوضات السياسية والتهديدات العسكرية لعرقلة إكمال العمليات. ولكن النقطة المهمة هي أن سوريا وقواتها المتحالفة، أي روسيا وإيران، يصرون على دعم عمليات الجيش في إدلب والسعي للسيطرة على إدلب أو على الأقل طريق M4 الذي يربط اللاذقية في الغرب بحلب في الشرق.