الوقت- بعد وصول سلمان بن عبدالعزيز إلی سدة الحکم في السعودية، شهد هذا البلد تغييرات عميقة في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية، والتي أثرت بشکل ملحوظ علی سياساتها تجاه القضايا الاقليمية والدولية.
وأحد هذه التغييرات کان النهج التدريجي للحفاظ علی عرش السلطة في عائلة سلمان وانتقال الحکم السعودي إلی الجيل الثالث لآل سعود.
مبادئ السياسة الخارجية والتحديات المتزايدة
بعد أن توِّج سلمان عبد العزيز ملکاً للسعودية، حدَّد مؤشرات السياسة الخارجية السعودية وفقاً للمبادئ التالية:
* تعزيز العلاقات مع الدول الخليجية.
* مراعاة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخری.
* دعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية والمصالح المشترکة معها.
* اتخاذ سياسة الحياد بناءً علی تعزيز علاقات التعاون مع البلدان الأخری.
علی مدار السنوات الأربع الماضية، واجهت السعودية مختلف الأزمات الدولية في فترة الحکم الجديد، وکان أغلبها ناتجاً عن السياسات الخاطئة لسلطات هذا البلد. بعض هذه الأزمات هي کما يلي:
- التدخل العسکري في اليمن منذ عام 2015، والذي أدی إلی استنزاف القدرة العسکرية السعودية، وأسفر عن أزمة إنسانية في هذا البلد.
- إعدام "الشيخ النمر باقر النمر" رجل الدين الشيعي البارز في عام 2016، والذي لم يکن إجراءً داخلياً بل أدی إلی متاعب وصراعات إقليمية للسعودية.
- الأزمة مع قطر التي بدأت منذ عام 2017 واستمرت حتی الآن، ما أدی إلی قطع العلاقات مع الدوحة وغيره من القضايا بين الدول الخليجية.
- احتجاز رئيس وزراء لبنان "سعد الحريري" وإرغامه علی الاستقالة في عام 2017، أثناء زيارته للرياض.
- الأزمة الدبلوماسية مع کندا نتيجةً لانتقاد السلطات الکندية لأوضاع حقوق الإنسان في السعودية.
- مقتل "جمال خاشقجي" الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في ترکيا في أکتوبر الماضي، والذي بالإضافة إلی تشويه صورة السعودية، ألحق خسائر اقتصادية بهذا البلد بلغت مئات الملايين من الدولارات.
العناصر الثلاثة لفشل السياسة الخارجية السعودية
عندما نلقي نظرةً علی عناصر فشل السياسة الخارجية السعودية، سنجد أنها تتمحور علی ثلاثة أمور نستعرضها فيما يلي.
1- الفريق الشاب وعديم الخبرة في السياسة.
2- التبعية الکاملة لمشاريع أمريکا السياسية.
3- السياسة المتطرفة تجاه الجيران.
الفريق الشاب وعديم الخبرة في السياسة
نتيجةً لرغبة السلطة الحاکمة في السعودية وقبول الطرف الأمريکي لانتقال القدرة إلی الجيل الجديد، وقع الخيار علی ولي العهد محمد بن سلمان، ولهذا خضعت کل مقاليد السلطة تحت إمرة هذا الأمير الشاب تدريجياً.
إن عدم النضوج السياسي لهذا الشاب السعودي إلی جانب طموحاته، أدی إلی اتخاذ قرارات منفعلة ومتسرعة في السياسة الخارجية السعودية ثبت فشلها بمرور الزمن، مثل العدوان العسکري علی اليمن ورؤية 2030 ومشروع "نيوم" بمئات المليارات وغيرها من الخطط المثالية.
دراسة نتائج السياسة الخارجية السعودية منذ صعود بن سلمان، تظهر أن القرارات التي اتخذها لم تؤد إلی تعزيز علاقات الرياض مع بلدان العالم وحتی الدول العربية فحسب، بل ترافقت دوماً مع التوتر وقطع العلاقات وحتی الهجوم العسکري علی البلدان الأخری.
التبعية الکاملة لمشاريع أمريکا السياسية
هدف السعودية الرئيس من رهانها علی أمريکا، کان توفير الأمن لهذا البلد وتزايد نفوذه الاقليمي وضمان بقاء القدرة في عائلة آل سعود المالکة. کما لعب النفط دوراً سحرياً في العلاقة بين المصالح السعودية والأمريکية، ما جعل أمريکا تتعهد بالحفاظ علی أمن السعودية.
من ناحية أخری، فإن تماشي أهداف وأولويات السياسة الخارجية السعودية مع أمريكا خلال العقود الماضية، قد أعطی أهميةً خاصةً بالمعادلات والعلاقات بين أمريکا والسعودية.
في المقابل، یری السعوديون أيضاً أنه في ظل حکومتهم غير الديمقراطية والأخطار الاقليمية التي يتصورونها لأنفسهم، فإن بقاء الملك في يد آل سعود يعتمد علی الدعم الأمريکي فحسب. وقد وصلت هذه التبعية إلی درجة بحيث أن القرارات الاستراتيجية لهذا البلد حتی وإن کانت تعارض مصالح الرياض فهي تعتمد علی أوامر البيت الأبيض.
وبسبب هذه التبعية الکاملة نفسها، نری أن ترامب ورغم العلاقات الاستراتيجية التي أقامها مع السلطات السعودية، فإنه يستمر في إهانة قادة السعودية وتوجيه کلمات غير لائقة بهم.
في الواقع، إن العلاقات بين أمريکا والسعودية لا تقوم علی القيم المشترکة بل علی المصالح، وقد تضعف في حال تعرضت المصالح للخطر، ذلك أن هدف أمريکا الرئيس هو الحفاظ علی أمن واستقرار النفط في الأسواق العالمية.
السياسة المتطرفة تجاه الجيران
رغم تبعية آل سعود للسياسات الأمريکية في المنطقة بشکل کامل، ولکن تسعی الرياض إلی بسط هيمنتها علی البلدان العربية والإسلامية. ومن هذا المنظور، يعتقد ابن سلمان أن بلدان المنطقة عليها أن تمتثل لخطط الرياض، وإلا فإن السعودية يجب أن تقطع علاقاتها معهم بالکامل. وأحد أبرز الأمثلة في هذا المجال، هو الأزمة بين قطر والسعودية والتي نشأت نتيجةً للخلافات بين الجانبين تجاه بعض الملفات الاقليمية.
کما أن طريقة تعامل السعودية مع إيران، تعتبر مؤشراً آخر علی هذه السياسة السعودية الاستعلائية والاستبدادية في المنطقة. فکلما أبدت إيران المرونة للوصول إلی تفاهمات مع الرياض حول الملفات الاقليمية، إلا أن السعودية قد أصرت علی سياساتها العدائية. وبالطبع فإن أمريکا تدير هذه الأجواء لزيادة بيع أسلحتها للسعودية والإمارات وغيرهما من الدول الخليجية التي تأتمر بأمرها.
التحديات التي تواجه السياسة الخارجية السعودية
لقد بلغت التوترات الاقليمية ذروتها في الملفات المختلفة، والسعودية قد دخلت مباشرةً في عدد ملحوظ منها، وهي تعجز عن الوصول إلی مخرج مشرِّف لها من هذه التوترات. وأحد التحديات التي تواجه السعودية هو إقناع المعارضين للعقود التسليحية التي أبرمتها الرياض مع الغرب وأمريکا.
بالإضافة إلی ذلك، فإن السياسة الخارجية السعودية قد وصلت إلی طريق مسدود فيما يتعلق بکيفية التعامل مع ملف الحرب علی اليمن، ولا تستطيع أن تقنع الرأي العام العالمي في هذا المجال.
ومن المؤکد أن إحدی الأولويات الرئيسية للطاقم الدبلوماسي الجديد في السعودية، هي السعي لتحسين سمعة السعودية لدی الرأي العام العالمي، والتي تشوهَّت بشدة جراء اغتيال جمال خاشقجي وجرائم الحرب التي ارتکبتها في حروب اليمن وسوريا والبحرين، وصولاً إلی تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي.
في الوقت الراهن، فإن جميع القوی الاقليمية تقريباً بدءاً من إيران ومروراً بترکيا ووصولاً إلی قطر وسوريا والعراق وحتی مصر، لديها خصومة واضحة أو مخفية مع الرياض. لأن سياسات بن سلمان قد خلقت الکثير من الأعداء للسعودية، کما أنه لم يختر حلفاء جيدين لبلاده، وقد ارتکب خطأً جسيماً لمواجهة نتائج هذه السياسات، ألا وهو طريق تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي المفروش بالمخاطر.
يعتقد المحللون أن کل هذه المؤشرات تظهر أنه إذا استمر ابن سلمان علی هذه الوتيرة، فإنه ليس فقط سيخسر حظه في الوصول إلی العرش في السعودية، بل ربما سيعرِّض للخطر المستقبل السياسي لآل سعود أيضاً.