الوقت- يعلم شعب الكوريتين وهما شعب واحد، بأن الحرب التي وقعت بينهما لم تكن سوى نتيجة الصراع الذي كان قائما بين القوى الخارجية من الحرب العالمية في ذلك الوقت، فكانت جزيرتهم ساحة لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. حيث استعملتهم هذه القوى وقودا لحربها التي أوقعت من الكوريين مئات الالاف من الضحايا. ويعلم الشعبان اليوم أن نفوذ أمريكا في منطقتهم والحرب التي تسعى لها، ليست بنفعهم وانما تشكل ضررا على بلادهم. ورغم التوترات التي تظهر بين الحين والآخر بين الجانبين الشمالي والجنوبي لكوريا الا أن البوادر تشير الى أن الحكومتين أصبحتا تعيان وبشكل جيد أن لا مصلحة لهما بالدخول في أتون حرب لن يخرج منها منتصر.
وقد أتت التوترات الاخيرة بين الجانبين الكوري الجنوبي والشمالي وتهديد كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بالتزامن مع مناورات عسكرية مشتركة امريكية كورية جنوبية، حيث حصل تبادل نيران صاروخية بين الطرفين على الحدود المشتركة. وقامت بعده كوريا الجنوبية بنصب مكبرات صوت لبث شعارات مناهضة للشمالية مما زاد في حدة التوتر ودفع الجانب الشمالي الى التهديد بحرب شاملة على كوريا الجنوبية في حال لم تنزع المكبرات خلال 48 ساعة. وهنا يشير متابعون أن الهدف الكوري الشمالي من هذا الموضوع هو رفع سقف التحدي قبل المفاوضات التي من المفترض ان تستمر الى ايجاد حل للازمة.
وبالفعل تشير الاخبار أن الجانبين قد توصلا وعبر المفاوضات الى نتائج جيدة من العمل على تخفيض التوتر وتثبيت العمل بالهدنة بين البلدين. مما يدل على أن البلدين قد استدركا بالفعل تدهور الموقف، خاصة أن لا مصلحة لكلا البلدين بحرب لن تقدم أي شيء للجهتين سوى الدمار واعادة بلديهما الى الوراء في مسيرة التطور والتكنولوجيا التي قطعوا فيها اشواطا كبيرة. حيث أن كلا البلدين تمكنا وخلال السنوات الماضية من تحقيق انجازات علمية مهمة.
شبح الحرب يهيمن مجددا.. بين المصلحة الامريكية والضرر الكوري!
أتى في تصريح لافت لسفير كوريا الشمالية في الكويت "سو تشانغ سيك" مؤخرا لصحيفة "الرأي" الكويتية أن كوريا الشمالية في حالة حرب بالفعل مع كوريا الجنوبية وامريكا، مؤكدا أن الحرب فى حال وقوعها قد تتحول الى حرب عالمية، مؤكدا أن هناك امكانية لاستخدام الاسلحة النووية من قبل كوريا الشمالية حتى داخل امريكا. ولكن ورغم هذه التهديدات يعلم الجميع أن الحرب في حال وقوعها ستكون في ضرر الكوريتين بالشكل الاساسي، بالاضافة الى أن أضرارها ستطال دول الجوار الكوري ومنطقة غرب اسيا بشكل عام، وهذا ما تطمح اليه امريكا من خلال إزكاء الصراع. وفي ذلك مصالح امريكية شتى ومنها اضعاف الجار الصيني، من خلال ايقاف عجلة اقتصاده الذي اجتاح اسواق العالم بما في ذلك الاسواق الامريكية. هذا بالاضافة الى فتح سوق جديدة للسلاح الامريكي في غرب آسيا.
ولهذه الغاية بالاضافة الى أهداف أخرى تأتي العلاقات الامريكية الكورية الجنوبية المميزة، فهناك الموقع الجغرافي المميز لشبه الجزيرة الكورية، بالاضافة الى الحدود المشتركة مع الصين وروسيا وهما الدولتان اللتان تشكلان تهديدا استراتيجيا على امريكا. مما يجعل امريكا ملزمة بتعزيز علاقاتها مع الحكومة الكورية الجنوبية لابقائها ضمن المحور الامريكي الذي يسعى لاضعاف الدب الروسي. فروسيا هي القطب الثاني في العالم مقابل امريكا، وتسعى امريكا الى البقاء عسكريا بالقرب من حدود الاخيرة كجبهة متقدمة امريكية، وخاصة في شبه الجزيرة الكورية التي كانت تعتبر الى الحرب العالمية الثانية منطقة نفوذ روسية بالكامل. وعلى صعيد آخر هناك الصين التي تشكل اكبر عملاق بشري من حيث عدد السكان في العالم. وخلال العشر سنوات الماضية قد استطاعت أن تنهض باقتصادها وصناعتها بشكل كبير أدى الى اضعاف اقتصادات اخرى في العالم وقلب الموازين. اذ ان الصين اليوم تنافس اكبر اقتصاد في العالم (امريكا) وبدأت تشكل خطرا حقيقيا على هذا الاقتصاد. لذلك تسعى امريكا ومن خلال تواجدها العسكري قرب هذا العملاق الى كبح جماح تقدمه التكنولوجي والصناعي، وكبح جماح الازدهار الاقتصادي في دول شرق اسيا بالعموم والتي باتت تشكل تهديدا حقيقيا لامريكا اكثر من ذي قبل في ظل ضعف نمو الاقتصاد الامريكي، والازمة المالية التي يعاني منها.
ختاما ان العارف بالاسلوب الامريكي في ادارة صراعات العالم، يعلم ودون شك أن لامريكا مصلحة اكيدة في توتير تلك المنطقة. وهذا ما بات يعرفه الشعب الكوري الجنوبي والشمالي. وهنا يبرز الدور الروسي الصيني في ضرورة استدراك الامور والسعي ضمن خطة جادة لاعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الکورية، والامكانية متوفرة طالما أن الشعبين متفقان على أن لا مصلحة لهما في الحرب. ويبقى موضوع الحراك السياسي لايجاد صيغ كفيلة باقناع حكومتي البلدين بضرورة الوحدة.