الوقت- كانت تظن السعودية أن قضية مقتل مواطنها الصحفي جمال خاشقجي ستنتهي دون أي شوشرة وسيغلق الملف سريعاً دون أن يلحق بالنظام السعودي أي أذى وبأسوأ الأحول يتم تحميل التهمة لبعض المسؤولين الصغار أو تقديم رشاوى مالية لهذه الجهة أو تلك وتنتهي القصة، وعلى الرغم من أن النظام السعودي أقدم على جميع الخطوات السابقة إلا أن النتيجة خالفت جميع التوقعات وانتشرت الفضيحة ووصل صداها إلى العالم بأسره، لتتحول إلى قضية رأي عام عالمية ويصبح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمام تحدٍ خطير بدأ يهدد بشكل فعلي وصوله إلى العرش، فإلى أين وصل هذا الملف؟.
مدى انتشار فضيحة مقتل خاشقجي ومدى تأثيرها على السعودية يمكن أن نتلمّسها من خلال التصريحات التي قالها ابن سلمان خلال مقابلة له في برنامج "60 دقيقة" الذي بثّته قناة "CBS" الإخبارية الأمريكية، فجر الاثنين 30 من سبتمبر الماضي، حيث أقرّ ولي العهد السعودي ولأول مرة بمسؤوليته عن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولكن هل عادت نتائج هذا التصريح على السعودية بالنفع قبل 3 أيام فقط من الذكرى السنوية لمقتل خاشقجي؟.
ما حصل في ذكرى مقتل خاشقجي لا يعكس أن المنظمات الحقوقية والرأي العام العالمي اقتنع بأن محمد بن سلمان بريء من دماء خاشقجي بل على العكس انتفض العالم مرة أخرى في وجه ابن سلمان وبدا المشهد وكأن خاشقجي قُتل في الأمس.
نبدأ من المنظمات الحقوقية التي طالبت السعودية بتوفير "الشفافية" في محاكمة المتورطين في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مؤكدة أن ما قامت به السلطات السعودية حتى الآن لم يكن كافياً.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية في بيان أن "السلطات السعودية أعاقت حصول محاسبة ذات مغزى لجريمة قتل خاشقجي". ورأت هيومن رايتس ووتش أن تحمل المسؤولية وليس اللوم على الجريمة ليس كافياً.
ونقل البيان عن مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة سارة ليا ويتسن قولها إن كان ولي العهد السعودي جادّاً "فعليه وحكومته توفير الشفافية في المحاكمة الحالية وكشف كل شيء يعلمونه عن التخطيط والتنفيذ وما بعد جريمة مقتل خاشقجي".
وأكدت مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية لين معلوف أنه على الرياض " الوقف الفوري لحملة القمع، والإفراج عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان من جهة، والدخول الفوري وغير المشروط لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين إلى البلاد، بما في ذلك مراقبة المحاكمة الحالية في قضية مقتل جمال خاشقجي".
كما أطلقت منظمة "حقوق الإنسان أولاً" الأمريكية عريضة إلكترونية تهدف إلى دفع الكونغريس بمجلسيه إلى معاقبة قتلة الصحفي السعودي، وإنهاء "الغطاء الذي يوفره البيت الأبيض لولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
وفي رسالة إلى الملك سلمان، طالب المعهد الدولي للصحافة في فيينا بمحاكمة شفافة في قضية مقتل خاشقجي، وذكرت الرسالة أنه "مثلما أوصت خبيرة الأمم المتحدة، يجب أن تدعم الحكومة تحقيقاً جنائياً إضافياً بقيادة الأمم المتحدة، وتجري إعادة محاكمة شفافة بدعم وإشراف دولي".
من جهتها أصدرت 19 منظمة أمريكية بارزة، الأربعاء، بياناً مشتركاً يطالب بتحقيق العدالة في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول العام الماضي.
ونشر البيان على الموقع الإلكتروني لرابطة الكتّاب الدولية "PEN America" مقرها نيويورك، تحت عنوان "البيان المشترك للمنظمات غير الحكومية، يكرر نداء العدالة من أجل جمال خاشقجي".
ويحمل البيان توقيع 19 منظمة مجتمع مدني أمريكية بارزة في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، ويطالب مجدداً بالعدالة لخاشقجي، بعد مرور عام على الجريمة البشعة.
وأشار إلى أن "التدابير التي اتخذتها بعض الدول ردّاً على مقتل خاشقجي (في إشارة إلى السعودية) ينظر إليها على أنها خطوات صحيحة نحو المساءلة، وتحظى بتقدير، لكن يجب اتخاذ خطوات ملموسة أكثر".
وأضاف إن "الفعاليات الكبيرة مثل عقد قمة مجموعة العشرين عام 2020، ورالي دكار في السعودية، ينطوي عليها خطر لا يمكن إنكاره فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين الدول".
وأردف: "لا يمكننا ترك الأمور تعود إلى طبيعتها (مع السعودية) بشكل يعني أن دم خاشقجي ذهب سدى، أو أن هناك القليل جداً من الأمل بالنسبة إلى مئات الناشطين الموقوفين بشكل غير قانوني، والمختطفين، والذين يتعرّضون للتعذيب والإعدام، ممن لا تحظى قضاياهم باهتمام على المستوى العالمي مثل قضيته (خاشقجي).
أما المحققة الأممية بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، آغنيس كالامارد، فقد قالت إن ولي العهد محمد بن سلمان أراد بتصريحاته عن تحمل المسؤولية أن ينأى بنفسه عن الجريمة.
وأضافت المحققة، في مقابلة مع قناة الجزيرة يوم الثلاثاء: أنّ "ولي العهد السعودي لم يتحمّل مسؤولية قتل خاشقجي ولم يحدد من كان فعلاً وراء الاغتيال".
إذن بالمختصر شبح خاشقجي لايزال يلاحق ابن سلمان ولا نستبعد أن يغيّر مسار الحكم في السعودية، خاصة وأن هناك غضب عارم بدأ يترشّح إلى السطح من طريقة إدارة ابن سلمان للبلاد وعجزه عن حمايتها وحماية مصدرها الوحيد من المال "النفط"، وتحدّثت عن هذا الموضوع وكالة "رويترز"، حيث قالت الوكالة إن الاستياء داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، تجاه ولي العهد محمد بن سلمان، تنامى بعد هجمات "أنصار الله" التي استهدفت منشآت في أرامكو.
ونقلت "رويترز" عن دبلوماسي أجنبي كبير، وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، بعدما طلبوا جميعاً عدم نشر أسمائهم، إن هذا الأمر أثار قلقاً وسط عدد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود ذات النفوذ القوي، والتي يبلغ عدد أفرادها حوالي عشرة آلاف، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقيادتها.
وقالت المصادر إن الهجوم أثار سخطاً وسط بعض الذين يعتقدون في دوائر النخبة أن ولي العهد سعى لتشديد قبضته على السلطة، وقال بعض هؤلاء الأشخاص إن الهجوم أثار انتقادات بين أولئك الذين يعتقدون أنه اتخذ موقفاً عدوانياً مبالغاً فيه تجاه إيران.
وقال أحد المصادر، وهو أحد أفراد النخبة السعودية الذي تربطه صلات بالعائلة المالكة، "ثمة حالة استياء شديد" من قيادة ولي العهد. "كيف لم يتمكنوا من رصد الهجوم؟".
وأضاف هذا الشخص أن بعض الأشخاص في أوساط النخبة يقولون إنهم "لا يثقون" في ولي العهد، الأمر الذي أكدته المصادر الأربعة الأخرى والدبلوماسي الكبير.