الوقت - غادر الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إلى تركيا لحضور القمة الخامسة لزعماء الدول الثلاث التي تقود محادثات "أستانة" حول الأزمة السورية.
ومن المتوقع أن يتمحور التركيز الرئيس للاجتماع بشكل أساسي كما الماضي، على جهود الدول الثلاث للحفاظ على وقف إطلاق النار ومنع تصاعد الحرب، تقريب وجهات النظر لتسريع العملية السياسية، التعاون في مكافحة الإرهاب، المساعدة في عودة اللاجئين السوريين، والمضي قدماً بضرورة إعادة بناء سوريا بعد المعارك.
إنجازات قمة سوتشي
عقد الاجتماع الأول لقمة أستانة في "سوتشي" في نوفمبر 2017، ومنذ ذلك الحين، التقى رؤساء الدول الثلاث مع بعضهم البعض ثلاث مرات أخرى لمناقشة كيفية حل الأزمة السورية.
الجولة الأخيرة من المحادثات عقدت في ميناء سوتشي الروسي في فبراير من العام الماضي (بداية عام 2019)، مع التزام الطرفين بالحفاظ على السلامة الإقليمية والسيادة ووحدة سوريا، ودفع العملية السياسية إلى الأمام بقيادة سوريا، مع التأكيد على قرار مجلس الأمن 2254.
بطبيعة الحال، بعد ثماني سنوات من بدء أزمة الشعب السوري المدمرة، والتي وصل دخانها إلى كل الأجواء الأمنية في المنطقة، كان دور التعاون بين إيران وروسيا وتركيا كأطراف رئيسة راعية لمفاوضات أستانا وسوتشي، دوراً لا مثيل له وبناءً جداً، في الحد من الأزمة، ومنع نمو سرطان الإرهاب، والتخفيف من معاناة الشعب السوري، وهو يمثل في هذا الصدد مثالاً ناجحاً للتعاون الإقليمي في خلق السلام، مقابل المبادرات والإجراءات عبر الإقليمية وخاصةً من قبل الغرب، والتي لم تنتج سوى عدم الاستقرار وانتشار الإرهاب.
حالياً قام الجيش السوري بتطهير الكثير من المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون، وبما أن المناطق أصبحت أكثر أماناً، توافرت الظروف لعودة النازحين ومساعدة الناس الذين مزّقتهم الحرب، وكذلك البدء في عملية إعادة الإعمار.
ولا شك أن منع تفكك سوريا هو من بين الإنجازات المهمة الأخرى للتعاون بين البلدان الثلاثة، بحيث على الرغم من الاختلافات الواضحة حول الأزمة ومستقبلها، لكن الجهود المبذولة في هذا الصدد قد أفشلت الخطط الانفصالية للغرب.
محاور النقاش وتحديات التوافق
سيكون التركيز في هذا الاجتماع بالطبع على كيفية استمرار وقف إطلاق النار في إدلب.
لقد بدأ الجيش السوري في شهر مايو عمليات عسكرية واسعة النطاق لتحرير إدلب، وتطهير كامل محافظة حماة باعتبارها آخر معقل للمتمردين المدعومين من تركيا والجماعات الإرهابية.
وجاء قرار الحكومة السورية هذا والذي قوبل بدعم من إيران وروسيا ومعارضة تركيا، بعد أن فشلت أنقرة في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق أردوغان بوتين في سبتمبر 2018، ونتائج قمة أستانا الثالثة عشرة لنزع سلاح الجماعات الإرهابية.
مع استعادة السيطرة على مدينة "خان شيخون" الاستراتيجية، ومحاصرة أحد أبراج مراقبة الجيش التركي من قبل سوريا، تشعر أنقرة بقلق عميق إزاء الوضع في إدلب.
تركيا ووفقاً لاتفاق مع موسكو وطهران قبل عامين، أنشأت 12 موقعاً عسكرياً في شمال غرب سوريا، بهدف الحد من المواجهات بين قوات الجيش والإرهابيين.
وقد حذّر أردوغان يوم الجمعة الماضي في مقابلة مع "رويترز" من أن أي هجوم من قبل الحكومة السورية على هذه المواقع، سيواجه رد القوات التركية، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق.
كما تشعر تركيا بقلق عميق إزاء خطر موجة جديدة من الهجرة إلى تركيا، حيث قال أردوغان: "تركيا، التي تستضيف حالياً 3.6 ملايين لاجئ، لا يمكنها استيعاب ملايين الأشخاص القادمين من هناك، لا يمكننا تحمّل وزنها".
وكان قد هدد في السابق بفتح البوابات أمام المهاجرين نحو أوروبا ما لم تحصل أنقرة على المزيد من الدعم الدولي.
وعلى الرغم من أن إيران وروسيا تأخذان دائماً مخاوف تركيا في الاعتبار، إلا أن منع تدهور الأوضاع مجدداً مرهون بقبول أنقرة للوقائع، بحيث تقبل أولاً بحق الحكومة السورية المشروع في الحكم على جميع مناطق هذا البلد، والقضاء على الإرهاب في جميع أنحاء سوريا، ومن ناحية أخرى، تعترف تركيا في الواقع، وليس في الكلام فحسب، بالسلامة الإقليمية لسوريا.
تركيا بالإضافة إلى تقديمها الدعم العسكري والتسليحي للجماعات الإرهابية في إدلب، والذي ينتهك اتفاقي أستانا وسوتشي، تحتل الآن جزءاً كبيراً من الأراضي السورية، وهو ما احتجت عليه دمشق مراراً.
وفي ظل هذه الظروف، بطبيعة الحال، إذا أرادت تركيا مواصلة وقف إطلاق النار في إدلب، فعليها إنهاء تسليح الجماعات الإرهابية والمتمردين، وبناء الثقة بشأن مستقبل الأراضي التي تحتلها.
جزء آخر من أهم مواضيع النقاش، هو إنشاء لجنة دستورية والتي تبحث روسيا عن تشكيلها في أقرب وقت ممكن.
تنظر روسيا إلى عملية أستانة ليس كبديل ولكن كمكون إضافي يجب دمجه في آليات الأمم المتحدة، ولهذا السبب، تحاول روسيا الحفاظ على خطوط اتصالها مع واشنطن والأمم المتحدة وتل أبيب، وإن كانت سطحيةً.
وبينما تعتبر روسيا أن وجود الأكراد في اللجنة الدستورية أمر من المستحيل تجاهله، إلا أن أنقرة حريصة على الحد من دور الأكراد في تحديد الحياة السياسية المستقبلية في سوريا.
في هذه الأثناء، تعطي طهران الأولوية لتحرير جميع المناطق من احتلال الجماعات الإرهابية وتحديد مصير سوريا من قبل الشعب السوري.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت أنقرة قادرةً على منع مشاركة الأكراد في محادثات مستقبل سوريا، وهل روسيا قادرة ومستعدة لإشراك الأكراد في برنامج إعادة الإعمار في سوريا دون أن تثير معارضة تركيا؟
وفيما يتعلق بإعادة بناء سوريا كموضوع آخر من مواضيع النقاش، باعتبار ذلك الخلفية لإنهاء الأزمة وعودة السلام والهدوء إلى هذا البلد، رغم العقوبات الغربية والعملية البطيئة للاتفاقيات الثلاثية، وقّعت طهران ودمشق العديد من الاتفاقيات في الأشهر الأولى من عام 2018.
وفي هذا السياق، من المهم للغاية إنشاء ممر إلى البحر الأبيض المتوسط – لربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا – وذلك لتعزيز الأهداف الاقتصادية لإيران وسوريا.
لقد تضاعفت صادرات إيران إلى سوريا خلال العامين الماضيين. والشركات الإيرانية تشارك في المشاريع المتعلقة بقطاع الكهرباء والاتصالات، والمشاريع الجديدة في قطاعي التعدين والنفط، وهذا سيجعل إيران الشريك التجاري الأول لدمشق.
وفي عام 2013، فتحت طهران خط ائتمان بقيمة 3.5 مليارات دولار، حتى تحصل على الحق في الاستثمار في سوريا مقابل صادراتها النفطية، وقد زاد خط الائتمان هذا بمقدار مليار دولار في عام 2015.
بشكل عام، علينا أن ننتظر ونرى هل سيؤدي الاجتماع الجديد للرؤساء الثلاثة إلى توافقات حول الإدارة المستدامة للتطورات، وخاصةً في إدلب أم لا؟