الوقت- ازدواجية السعودية في التآمر على القضية الفلسطينية ودعمها لهذه القضية من خلال إطلاق تصريحات "مجانية" هنا وهناك، لم تعد مخفية على أحد، ومسارعتها للتطبيع مع كيان العدو أصبحت معروفة للجميع، ولا يخجل الكثير من المسؤولين السعوديين في مغازلة الصهاينة وعلى رأس هؤلاء المسؤولين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أطلق عبارات مثيرة للجدل منذ بداية وصوله للسلطة في محاولة لكثب ود اللوبيات الصهيونية لكي يكسب رضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبالتالي تعبيد الطريق أمام نفسه للوصول إلى كرسي العرش.
ابن سلمان قال في فترة توليه منصب ولاية العهد: إن "إسرائيل تشكّل اقتصاداً كبيراً مقارنة بحجمها، كما أن اقتصادها متنامٍ". وعاد مرة أخرى وصرّح لمجلة "أتلانتيك" الأمريكية، معرباً عن "إيمانه بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة".
اليوم ابن سلمان يشعر أنه يعيش عزلة تامة بعد أن تخلّت عنه الإمارات في اليمن وانقلبت عليه، وبعد أن حاصرته جماعة "انصار الله" بعد الضربات الموجعة الأخيرة التي وجهتها لمنشأتين لشركة آرامكو، ليكتشف ابن سلمان بعد هذه الضربة أن الإدارة الأمريكية لم تستجب لرغباته وتخلّت عنه في الوقت الحرج، وعلى اعتبار أن الدول العربية والإسلامية تجتمع ولو نظرياً على أن "القضية الفلسطينية" هي قضية جوهرية يجب الدفاع عنها في جميع المحافل الدولية وفضح جرائم العدو الصهيوني، اتجهت السعودية لاستغلال اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي الطارئ، وإطلاق تصريحات تدافع فيها عن الفلسطينيين وحقهم، بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول ضم أراضٍ من الضفة الغربية المحتلة.
خلال هذا الاجتماع قال وزير الخارجية السعودي، ابراهيم العساف، يوم أمس الأحد: إن الإجراءات الإسرائيلية باطلة وكل ما ينتج عنها باطل ومرفوض.
وأضاف العساف: "ندين التصعيد الخطير من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو"، الذي أعرب الأسبوع الماضي عن نيته – إذا فاز بالانتخابات الإسرائيلية القادمة – ضم أراضٍ من الضفة الغربية المحتلة عام 1967م، وغور الأردن.
لا نعلم كيف يفاخر زعماء السعودية باقتصاد "العدو الصهيوني" من جهة ويرون أن من حقهم أن يكون لديهم أرضهم الخاصة، ومن ثم يدينون هذا العدو الذي ساعدوه هم أنفسهم في حصار غزة والفلسطينيين.
إذا سلسلنا ما قامت به السعودية التي تعتبر نفسها قائدة للأمة الإسلامية والعربية، سنندهش من مدى تعاطفها مع الصهاينة ورغبتها الشديدة في "التطبيع" معهم، هذا التطبيع الذي ظهر في العديد من المناسبات، وأبرز هذه المناسبات ورشة البحرين، التي رفض الفلسطينيون أنفسهم حضورها لأنهم رأوا فيها "تصفية للقضية الفلسطينية" إلا أن السعودية حضرتها والتقى مسؤولوها وصحفيوها مع وسائل إعلام إسرائيلية، وخلال فترة الورشة نشرت وكالة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" على حسابها في "تويتر" المقابلة التي أجرتها في العاصمة البحرينية المنامة مع الناشط ومقدّم البرامج السعودي لؤي الشريف، المتخصص في اللغات والحضارات القديمة في إطار تغطيتها لـ"ورشة البحرين" المستمرة على مدار يومين متتاليين.
وقال الباحث في الحضارات العربية القديمة "الشريف" لمراسلة وكالة البث الإسرائيلية الرسمية (كان): "أحب العبرية بسبب الأنبياء، والعبرية هي لسان أنبياء الله مثل الملك داوود، أشعيا، أرميا، دانيال، يوشع، وأعتقد أن المسلم هو امتداد لأنبياء بني إسرائيل".
ويرى الشريف أن هذا العام سوف يحمل علامات الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وأن الأمير محمد بن سلمان قد اختاره الله لتحقيق نبوءة أشعيا فيما يتعلق بالسلام بين الشعوب.
كذلك وصف الإعلامي السعودي فهد الشمري الفلسطينيين بـ"الشحادين"، وأنهم "بلا شرف"، والأقصى بـ"المعبد اليهودي" بحسب تعبيره؛ ليثير بذلك زوبعة من الغضب والجدل الواسع في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
الأمر لم يتوقف هنا فجميعنا سمعنا بمشروع القطار الصهيوني الذي سيمرّ عبر السعودية، هذا المشروع جرى الحديث عنه في عمان وطرحه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي زار الإمارات مؤخراً، خلال مؤتمر النقل الدولي المقام بالعاصمة العمانية مسقط ويحمل هذا المشروع اسم "سكة حديد السلام"، يربط الدول الخليجية بـ "إسرائيل" مروراً بالأردن.
وقالت "إسرائيل بالعربية"، الصفحة التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية إن الوزير يسرائيل كاتس، طرح مبادرة لربط السعودية والخليج مروراً بالأردن بخط السكك الحديدية الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا.
ونقلت الصفحة على لسان الوزير قوله خلال زيارته: "أنا متحمس للوجود هنا في أبو ظبي لتمثيل مصالح دولة إسرائيل مع دول الخليج، هناك تقدّم ملحوظ في العلاقة بين إسرائيل ودول المنطقة. وسأواصل العمل مع رئيس الوزراء نتنياهو لتعزيز سياسة التعاون بناءً على قدرات إسرائيل في المجالات المدنية، الأمن والمخابرات".
وحسب عرض للمشروع نشره كاتس عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، تستند "المبادرة إلى فكرتين أساسيتين: "إسرائيل" تكون جسراً برياً، والأردن مركز إقليمي لنقل البضائع".
ووفق الخريطة التي عرضها كاتس، فإنّ "سكة السلام الإقليمي" ستنطلق من مدينة حيفا إلى بيسان (داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48)، لتمرّ عبر جسر الشيخ حسين الذي يربط بالأردن، ومن هناك إلى مدينة إربد شمالاً، ومن ثم إلى الدول الخليجية والسعودية.
المضحك المبكي من هذا المشروع، أن "اسرائيل" لن يقتصر مشروعها على اختراق الأمن القومي العربي واختراق هذه الدول التي سيمرّ عبرها القطار، بل ستكون تكلفة هذا المشروع من جيوب هذه الدول الخليجية، وستنقل "إسرائيل" البضائع من موانئها إلى أمريكا وأوروبا.
وكان من بين الأمور الأخرى التي ساهمت في عملية التطبيع وكانت صادمة، هي المحادثات السرية التي جرت بين الكيان الإسرائيلي والجانب السعودي لبحث إنشاء مطار عسكري في عمق السعودية في منطقة حساسة بالقرب من مطار الأمير سلطان بن عبد العزيز الإقليمي، ويبعد ما يقارب كيلومترين عن مدينة تبوك الواقعة شمالي السعودية.
وستحطّ طائرات العدو الصهيوني في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة بعد أن تقوم بجولات تجسس في المنطقة، وسيسمح لها بالتزود بالوقود، وإقامة الجنود الإسرائيليين وحتى وضع أجهزة المراقبة والرادارات والتجسس الخاصة بأمن المطارات العسكرية، والحجة الأساسية من كل هذا هي "ردع إيران".
من يقول من المسؤولين السعوديين أن بلاده تدافع عن القضية الفلسطينية، علينا أن نخاف لأننا سنشهد خطوة جديدة من التطبيع، وعلينا توقع افتتاح سفارات علنية بينهم، وبما أن العلاقات الاقتصادية والسياحية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والرياضية تسير على قدم وساق مع كيان العدو فما الذي يمنعهم من تبادل فتح السفارات، هل وقوفهم إلى جانب الفلسطينيين ودفاعهم عن حقوقهم وانتصاراً لدمائهم الذكية وشهدائهم الذين سقطوا برصاص العدو الصهيوني سيكون عائقاً لذلك؟.