الوقت- هذا هو قدر منطقتنا أن دولها ليس فقط لم تبادر الی تعاون مشترك استراتیجي لجلب النمو والرخاء لشعوبها، بل أن معظمها متعاونة مع أعداء شعوب المنطقة، مما أدی هذا التعاون الی ويلات كبيرة. وفي هذا السياق يمكن الإشارة الی تركيا التي عانت شعوب المنطقة، خاصة الشعوب العربية، خلال العقود الماضية من سياساتها، خاصة خلال حقبة الحكم العثماني، فها هي الیوم تسير رياح سیاستها علی عكس ما تريد المنطقة، وأصبحت متهمة بالتعاون مع أخطر تنظيم إرهابي عرفته المنطقة، ونعني تنظيم داعش الإرهابي، الذي تلطخت يده بدماء جميع أبناء المنطقة مسلما وغیرمسلم، ما عدا الإسرائيليين. فهل حقا كان لتركيا دور في سيطرة داعش علی الموصل و تمدده في سوريا والعراق، أم أن تركيا بريئة من هذه الإتهامات وهي تحارب التنظيم الإرهابي؟
قبل أيام صدر تقرير لجنة الأمن والدفاع النيابية التابعة للبرلمان العراقي حول سقوط مدينة «الموصل» بيد تنظيم داعش في شهر حزيران/ يونيو ٢٠١4، حيث اتهم التقرير تركيا بأنها تعاونت مع داعش للسيطرة علی الموصل من خلال قنصلها في محافظة نينوی «اوزتوك يلماز». وبالرغم من أن تركيا رفضت هذه الإتهامات جملة وتفصيلا من خلال استدعاء سفير العراق في أراضيها، وتاكيد «تانجو بيلغيج» المتحدث باسم الخارجية التركية أن طاقم القنصلية وقع رهينة بيد تنظيم داعش لمدة 101 يوما، عند إحتلال الموصل من قبل هذا التنظيم، قال بدوره رئيس لجنة التحقيق في سقوط الموصل، «حاكم الزاملي»، في تصريح صحافي إن القنصل التركي في الموصل كان متورطاً في أحداث السيطرة على المدينة من قبل داعش. واضاف التقرير أن محافظ نينوى «أثيل النجيفي» ومدير مكتب جهاز المخابرات في المحافظة «ناجي حميد» ایضا قاما بالتستر على دور القنصل التركي في تلك الأحداث.
ويقول المتابعون إن هناك محاولات تركية للتغطية علی دورها في سقوط الموصل بيد داعش، رغم توافر معلومات جلية ودامغة تدل علی هذا التعاون، حيث اتهم مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي «جوبايدن» أنقرة بانها تدعم داعش حتی من قبل. ويستدل هؤلاء المتابعون في إتهام دعم تركيا لداعش، الی الافراج عن طاقم القنصلية التركية من قبل تنظيم داعش بعد ان تم إحتجازهم من قبل هذا التنظيم بعد إحتلال الموصل، مما يدل هذا علی علاقة وثيقة بين ترکيا والتنظيم الإرهابي حسب رأي هؤلاء المتابعين. وبالاضافة الی ذلك، فان تركيا متهمة من قبل الحكومة العراقية والسورية بانها المصدر الرئيسي الذي يزود داعش بالمال والسلاح، عبر حدودها المشتركة مع سوريا والعراق. وفي هذا السياق يمكن الإشارة الی عدم موافقة تركيا الالتحاق بما يسمی "الائتلاف الدولي لمحاربة داعش"، علی أنه دليل آخر يدل علی رغبة أنقرة في تمدد داعش في المنطقة. حيث أن موافقة تركيا بالتعاون مع "الائتلاف الدولي" جاءت متأخرة جدا وبعد فوات الأوان، بغض النظر عن أن هذا الائتلاف هو في الأساس شكلي وغیر صادق في محاربة داعش أساساً.
وفي هذه الأثناء تحاول تركيا ودول اخری كالسعودية، القاء اللوم علی رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي»، بانه مسؤول عن سقوط الموصل بيد داعش، لكن وفي المقابل زاد المالكي خلال الأيام الماضية من اتهاماته للقيادة التركية وخاصة «رجب طيب اردوغان» الرئيس التركي وكذلك قادة السعودية بانهم مسؤولون عن نمو الإرهاب في المنطقة. وقال المالكي في هذا الصدد في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام في طهران: «لو لم تقم تركيا والمملكة العربية السعودية بدعم الجماعات الإرهابية، لما آلت الأمور في سوريا إلى هذه الدّرجة من السوء».
وبعيدا عن إتهامات لجنة البرلمان العراقي الی تركيا حول دورها في دعم داعش في عملية إحتلال الموصل، فان هنالك قضايا تقف خلف استراتيجية تركيا الداعمة لهذا التنظيم المتطرف، تصب جميعها في خانة المصالح التركية، منها إقتصادية واخری أمنية. حيث هنالك من يقول إن تركيا تسعی من خلال داعش، لضرب الاكراد في سوريا والعراق، للقضاء علی الحلم الكردي في داخل تركيا فيما يخص إنفصالهم عن البلد الام، او علی الاقل مناشدتهم مزيدا من الحريات العامة في البلاد. بالاضافة الی ذلك يری محللون إقتصاديون أن تدمير البنی الاقتصادية في سوريا والعراق عبر داعش، يصب في صالح نمو الاقتصاد التركي، نظرا لتدمير مدن اقتصادية في سوريا والعراق مثل مدينة حلب الصناعية. علاوة علی هذا فان الكثير من الخبراء الأمنيين يرون أن تركيا تحاول أن تصنع من داعش قوة ضاربة لها في المنطقة، أي بعبارة ثانية، طالبان اخری في المنطقة، تكون هي المتحكم الوحيد بها علی غرار تحكم باكستان بطالبان، للتخلص من النظام السوري وإضعاف الحكومة العراقية، وكذلك إبتزاز وتهديد أمن دول اخری في المنطقة.
إذن الأدلة حول أن تركيا تدعم داعش في سوريا والعراق كثيرة وتاتي من قبل الصديق والعدو، لكن رفض تركيا لهذه القضية لم يأت بالبراهين الدامغة وهو مجرد تصريحات تصدر من قبل القيادة التركية دون إثباتات علی أرض الواقع، لهذا فان اتهام أنقرة من قبل لجنة الامن والدفاع النيابية العراقية بدعم داعش في إحتلال الموصل، سيكون دليلا اضافيا آخر، علی إدانة الدعم التركي لداعش. لذا فان تركيا عامل أساسي في إحتلال الموصل من قبل داعش وعلیها الآن بذل ما في وسعها لتمكين الحكومة العراقية من إستعادتها من يد داعش، وكذلك الكف عن دعمها لهذا التنظيم الإرهابي في سوريا.