الوقت- بعد الكثير من الجدل والقيود، وبينما كان من المقرر أن يبدأ الزعيم الشيعي النيجيري الشيخ الزكزكي العلاج في مستشفى في نيودلهي، عاصمة الهند، تم نشر شريط فيديو بالأمس يعلن إيقاف عملية العلاج وعودة الزعيم الشيعي النيجيري.
ففي وقت متأخر من يوم الخميس المنصرم، أعلن الشيخ الزكزكي في بيان مصوّر أن علاجه في مستشفى في نيودلهي عاصمة الهند قد توقف، وأنه يعتزم العودة إلى بلده.
في الرسالة المصوّرة هذه، تحدّث الزعيم الشيعي النيجيري بصراحة عن وضع بعض المسؤولين الهنود العراقيل في عملية علاجه بالتعاون مع الحكومة النيجيرية، واتهم مسؤولي الحكومة النيجيرية ومبعوثيها بتقديم معلومات خاطئة وغير دقيقة للمستشفى والأطباء، إلى درجة أن بعض الأطباء الهنود أبدوا عدم علمهم بكيفية علاجه، بحسب ما قاله الشيخ الزكزكي.
هذا في حين أن علاج الشيخ الزكزكي، الذي تم تعليقه لفترة طويلة في السجن في نيجيريا، كان من المقرر أن يبدأ في الهند، ولكن الآن وبعد أن لم تكتمل العملية الطبية، أصبحت الحالة الصحية لزعيم شيعة نيجيريا مهددةً أكثر من أي وقت مضى.
مع ذلك، فإن هذه العملية العلاجية غير المكتملة وغير الفعّالة للشيخ الزكزكي، هي في الواقع نفس الهدف الذي تسعى إليه الحكومة النيجيرية ومسؤولوها الأمنيون في مواجهة الشيخ الزكزكي.
بشكل عام، كانت المحكمة النيجيرية قد قضت منذ عامين بإطلاق سراح الشيخ الزكزكي، الذي كان محتجزاً لدى قوات الأمن والشرطة النيجيرية منذ ديسمبر 2016، لكن لم يتم إطلاق سراحه مطلقاً، وتمّت زيارته الطبية هذه بشكل مؤقت ومشروط بمرافقة عدد من الضباط المعينين.
وفي هذه الظروف، من الواضح أن الحكومة النيجيرية المنحازة للسعودية لا تسعى إلى علاج الشيخ وتحسين وضعه الصحي، ومن الطبيعي أيضاً أن الفريق الأمني المرافق له سيخلّ بالإجراءات العلاجية.
بعبارة أخرى، لقد جاء الإفراج المؤقت عن الشيخ الزكزكي لعلاجه، نتيجةً للضغوط الدولية وتزايد عدم الرضا العام عن الحكومة النيجيرية، وإلا فإن الحكومة النيجيرية بشكل عام لم تكن تنوي حلّ مشكلات الشيخ الطبية.
من ناحية أخرى، فإن الطرف الآخر في عملية وضع العراقيل أمام علاج الزعيم الشيعي النيجيري وتحسين صحته، هي الحكومة الهندية، التي لم تكن مضيفاً جيداً للشيخ خلال الأيام القليلة الماضية، بحيث إن التقاعس في الرعاية الطبية للشيخ من قبل الفريق الطبي الهندي، أدّى إلى قراره بالعودة إلى بلده.
أما السؤال عن سبب تماشي الهند مع الضغوط والإجراءات اللاإنسانية للحكومة النيجيرية بحق الشيخ الزکزکي، فلا يمكن القول بأنه غير مرتبط بما يحدث هذه الأيام من تطورات في الهند.
في الواقع، تأتي هذه الممارسات من الهند ونيجيريا للضغط على الزعيم الشيعي النيجيري، بإيعاز من الحكومة السعودية وضغطها، وكل من الدولتين تسعيان إلى تحقيق أهداف منفصلة في هذا الامتثال للطلب السعودي بفرض قيود على الزعيم الشيعي.
فإذا كانت الأهداف الاقتصادية هي التي تدفع نيجيريا لتنفيذ مطالب القادة السعوديين، لكن بالنسبة للهند فإن الغرض من تلبية المطالب السعودية، يرتبط بالأهداف السياسية والأمنية بشكل أكثر.
فبينما تواجه الهند أزمة كشمير هذه الأيام، وتصاعد الانتقادات من نيودلهي بسبب محاصرة كشمير، فإن صمت الرياض باعتبارها واحدة من الدول الرئيسة في العالم الإسلامي، يعدّ مساندةً كبيرةً لنيودلهي، ومن الطبيعي أن السلطات السياسية في نيودلهي ستتبع أي إجراء لمواصلة الصمت السعودي إزاء القضايا اللاإنسانية في كشمير.
أيضاً، نظراً لوجود عدد كبير من المسلمين في الهند وكشمير، وأن الهند تستضيف نسبةً كبيرةً من الشيعة، فإن وجود زعيم شهير في العالم الإسلامي مثل الشيخ الزكزكي بسبب مواقفه المعادية للاستكبار والمؤيدة للمسلمين، قد يخلق تحديات بالنسبة للهند، ولهذا كانت حكومة نيودلهي تبحث عن طريقة لإخراج الشيخ الزكزكي من البلاد في أقرب وقت ممكن، حتى لا تحدث اضطرابات وأزمات في كشمير بفعل وجود هذه الشخصية الإسلامية البارزة.
لكن قرار الشيخ بالعودة من الهند لا يعني نهاية الأمر ونجاعة الضغوط النيجيرية والهندية والسعودية ضده.
في الحقيقة، قرار الشيخ الزكزكي العودة من الهند إلى نيجيريا، إعلانٌ للجميع بأن الهند لم تستطع الوفاء بواجبها الإنساني، وهو من ناحية أخرى، كشفٌ للنقاب عن عراقيل الحكومة النيجيرية لتعطيل العملية الطبية.
وبعبارة أخرى، أدّى قرار الشيخ الزكزكي بالعودة إلى نيجيريا، إلى زيادة تكلفة وضع العراقيل في عملية علاجه، وفي الوضع الراهن فإن الهند ونيجيريا كلتيهما مسؤولتان عن حياة وصحة زعيم شيعة نيجيريا.
في هذه الحالة، لا يمكن للهند التي تضم عدداً كبيراً من المسلمين، أن تكون غير مبالية بصحة الشيخ الزكزكي وعملية علاجه، والحكومة النيجيرية التي هي الآن المتهم الرئيس في تعطيل عملية علاج الزعيم الشيعي، ستكون عرضةً للاتهامات والضغوط أكثر من أي وقت مضى، ولا شك أن القادة النيجيريين سيضطرون مرةً أخرى لمتابعة عملية علاج الشيخ الزكزكي، رغم أن مهمتهم ستكون أيضاً أكثر صعوبةً من أي وقت مضى، نتيجةً لزيادة حساسية الرأي العام.