الوقت- لا تزال قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي تلاحق السعودية في الأروقة الدوليّة، ورغم اعتقاد البعض أن الأمير السعودي محمد بن سلمان قد نجح في تجاوز هذه الأزمة، إلا أن المؤشرات تؤكد أن ما نجح فيه ابن سلمان حتى الساعة هو تأجيل هذه الأزمة وليس تجاوزها.
العديد من الأصوات ارتفعت مجدداً في وجه السعوديّة ردّاً على جريمة خاشقجي فقد قالت مقررة الأمم المتحدة أغنيس كالامار: إن السعودية مسؤولة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ووصفت الحادثة بـ"جريمة قتل على مستوى دولة".
وأوضحت كلامار في ندوة نظّمها مركز معهد بروكنجز الأمريكي بالعاصمة واشنطن، "الجريمة خطط لها مسؤولون بالحكومة (السعودية)، مع سبق الإصرار، وتم تنفيذها من قبل وكلاء للدولة".
وأشارت أنّ الحكومة السعودية "فشلت في معالجة مسألة تحديد المسؤولية الفردية"، لافتة إلى أنّ النظام شديد المركزية في السعودية "يثير القلق" في تحديد تلك المسألة.
ومضت قائلة: "القحطاني لم يخضع للمحاكمة، والمحاكمة تتم خلف أبواب مغلقة، وتصرّ السعودية على أن هذا أمر (مقتل خاشقجي) محلي بحت، لاسيما عندما تنتهك الظروف (ظروف التحقيقات والمحاكمة) القانون الدولي وعليه تتطلب مساءلة دولية". واستطردت: "استخدم اثنان من المسؤولين جوازات سفر دبلوماسية، كما استخدما طائرة دبلوماسية، إضافة إلى أن القتل وقع داخل القنصلية، واستخدم القنصل السعودي السلطات الرسمية لمنع وتعطيل التحقيق".
يأتي كلام المقررة الأممية بعد أسبوعين على نشر المفوضية الأممية لحقوق الإنسان تقريراً أعدّته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، كما أنه يتزامن مع هجوم شنّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال إن "بعض الأشخاص يدفعون أموالاً طائلة لدفن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي"، وذلك دون أن يحدد هوية هؤلاء الأشخاص.
هجوم أردوغان الأخير جاء بعد هجوم آخر شنّه من مدينة أوساكا اليابانية أثناء قمة العشرين عندما قال إن "بلاده لن تقبل التستر على جريمة قتل خاشقجي"، مؤكداً أنه يجب على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كشف قتلة خاشقجي.
يأتي الهجوم بعد فشل السعودية في تقديم أي دليل، ولو ملفق، يمكن أن يكون مقنعاً للرأي العام، لكن الرياض لطالما أصرت على أن يكون التحقيق سعودياً دون أي تدخل تركي أو أممي، لكن كلام المقررة الأممية يؤكد أن محمد بن سلمان يريد أن يحجب شمس جريمته بغربال الأموال النفطية.
خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، أعربت عن دعمها مطلب فتح تحقيق دولي في قضية مقتل الصحافي السعودي، معتبرة أن التحقيق الذي تجريه السعودية بهذا الشأن "فقد شرعيته" رغم قناعتنا بأنه لم يمتلك الشرعية منذ اليوم الأوّل.
وتطرّقت جنكيز إلى ما ورد في تقرير کالامار من دعوة إلى إطلاق الأمم المتحدة تحقيق جنائي دولي حول مقتل خاشقجي. وقالت إن هذه الدعوة موجّهة إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، مرجعة ذلكً لكون الأمانة العامة للأمم المتحدة، هي أعلى جهة يمكنها أن تحرّك العالم في هذا الخصوص.
يبدو أن القضية تتصاعد من جديد، وهناك توجّه واضح لفتح تحقيق دولي في قضية خاشقجي، لكن ابن سلمان سيعمد إلى منع هذا التحرّك من خلال نهجين رئيسيين.
حاول بن سلمان تمييع القضية وإسقاطها بالتقادم، لذلك عمد إلى فتح تحقيق شكلي بغية إسكات الرأي العام، وقد أجرى المدّعي العام السعودي حينها زيارة إلى تركيا.
اليوم وبعد الحديث عن تحقيق دولي، سيعمد ابن سلمان إلى تفعيل تحقيقه، ولا نستبعد الخروج ببعض المتهمين بشكل رسمي بغية إسكات الأصوات المطالبة بدم خاشقجي، يعتقد ابن سلمان أنّه بإمكانه عرقلة التحقيق على هذا النحور.
المسار الثاني الذي سيسلكه ابن سلمان هو نفس المسار الذي استخدمه في بدايات الأزمة أي الدفع للرئيس الأمريكي الذي سيطالبه بالدفع، كيف لا وهو الذي أجاب أحد الصحفيين الذين توجهوا إليه بالسؤال عن دم خاشقجي بالقول: "خذ الأموال، خذ الأموال واسكت".
وبين الإصرار الأممي ومحاولات ابن سلمان ستشهد قضية خاشقجي عودة إلى المشهد من جديد، عودة سيكون أبطالها ابن سلمان نفسه الذي قد يفضي أي تحقيق دولي إلى جرّه إلى الجنائية الدوليّة، وكذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يساوم بالمال على أي قضية، بغض النظر عن قيمتها الإنسانية أو الأخلاقية.
لكن في المقابل، لا نعتقد أن لجان الحقوق الدولية ستقف مكتوفة الأيدي، فضلاً عن الكونغرس الأمريكي نفسه الذي يدرس أكثر من مشروع قانون لمعاقبة الرياض على هذه الجريمة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.