الوقت- تمرّ دولة فلسطين بأكبر أزمة سياسية واقتصادية في القرن الحالي، أزمة من شأنها أن تغيّر وجه فلسطين وتمسّ جذور القضية الفلسطينية التي دافع عنها أبناؤها لعقود طويلة وقدّموا آلاف الشهداء ليأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويستغل ضعف بعض الأنظمة العربية وصمت الأخرى ليمهّد لخطة جديدة من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.
البعض قدّم إغراءات إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للقبول بتفاصيل "صفقة القرن"، لاسيما السعودية، حيث أقدم ولي العهد السعودي على تقديم عرض مغرٍ إلى محمود عباس ووفقاً لمعلومات انتشرت الشهر الماضي فإن: "ابن سلمان سأل عباس ما هي ميزانية حاشيتك سنوياً، فردّ عباس لست أميراً ليكون لدي حاشية، فأوضح ابن سلمان: كم تحتاج السلطة ووزراؤها وموظفوها من مال؟"، فأجاب عباس: "مليار دولار"، فردّ ابن سلمان: "سأعطيك 10 مليارات دولار لعشر سنوات إذا وافقت على الصفقة"، إلا أن "أبو مازن" اعترض على الطرح، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية.
اعتراض أبو مازن قاده يوم أمس إلى قطر ليبدأ زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، سيلتقي خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وعدداً من كبار المسؤولين القطريين، وتأتي هذه الزيارة في وقت أعلنت فيه أمريكا عن عقد ورشة عمل اقتصادية بالمنامة في 25 و26 حزيران المقبل، بهدف تشجيع الاستثمار الدولي في الضفة الغربية وغزة.
من جانبه قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إنه لم يتم التشاور مع الفلسطينيين بشأن مؤتمر تعقده أمريكا في البحرين، وأضاف مخاطباً "يؤكد المجلس أنه لم يُستشر حول هذه الورشة المذكورة، لا من ناحية المدخلات أو المخرجات أو التوقيت".
وقال إن "أي حلّ للصراع لن يكون إلا عبر الحلول السياسية المتعلقة بإنهاء الاحتلال، وإحقاق حقوق شعبنا، المتمثلة في إقامة دولته المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة على حدود عام 67 وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي".
لماذا قطر؟
هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت السلطة الفلسطينية للتوجّه نحو قطر بدلاً من السعودية على اعتبار أن الأخيرة دعمت السلطة لسنوات طويلة، إلا أن الرياض لم تسهم في لمّ الشمل الفلسطيني كما تفعل الدوحة حالياً، وهناك تقارير دولية كثيرة تتحدث عن تورّط السعودية بتمرير بنود "صفقة القرن" على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته.
عندما يأتي محمود عباس إلى قطر على هذا النحو وفي مرحلة حسّاسة من تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هذا يعني أن الأمر مربوط بـ"صفقة القرن" لا محالة، وبما أن السلطة الفلسطينية تعاني من أزمة ماليّة طاحنة، بعد وقف الدعم الأمريكيّ، واقتطاع "إسرائيل" من أموال ضرائبها، ما جعلها تبذل جهوداً حثيثة للحصول على دعم عربيّ، وطالبت السلطة الفلسطينية من الجامعة العربيّة توفير شبكة أمان، أو الحصول على قرض من الدول العربية، من دون أن تسفر مناشداتها عن استجابة جدّيّة، لكن قطر وفي تاريخ 7 أيّار/مايو، قررت عبر وزارة خارجيتها تخصيص 480 مليون دولار كمساعدات إلى الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، 300 مليون دولار منها إلى السلطة الفلسطينيّة كمنح وقروض لدعم الصحّة والتعليم والمساعدات الإنسانيّة، و180 مليون دولار لتقديم الدعم الإغاثيّ العاجل وبرامج الأمم المتّحدة والكهرباء.
لن تكون السعودية سعيدة كثيراً بزيارة عباس إلى الدوحة، خاصة وأنها كانت من أكثر الداعمين له فيما سبق حيث كانت تخصص للسلطة دعماً سنوياً بقيمة 220 مليون دولار، إلا أن محمود عباس يرى أن صمت الرياض عن صفقة القرن سيعرّض مستقبله السياسي للخطر، وكشف عبّاس في 29 نيسان/أبريل خلال اجتماع الحكومة في رام الله أنّه طلب قرضاً من دول عربيّة، وقال: "لكنّنا لا نعلّق آمالاً كثيرة، ولم يصلنا جواب"، ما أعطى إشارة سلبيّة إلى عدم موافقة أيّ دولة عربيّة على طلبه.
صمت السعودية والأزمة المالية أجبرت عباس على التوجه إلى الدوحة التي تدعم الطرفين المتنازعين في فلسطين، السلطة وحماس وهذا الأمر قد يساهم في توحيد الصف الفلسطيني، وتفضيل عباس المساعدة القطرية على حساب علاقته بالسعودية يعدّ خطوة جيدة من ناحية إيجاد حلّ للصراع بين الأشقاء الفلسطينيين.
تحرّك عباس الدبلوماسي جيد وإن كان قد جاء في وقت متأخر نسبياً، حيث فشل رئيس السلطة في وضع حدّ للخلافات الفلسطينية - الفلسطينية على مدار السنوات الماضية وكان على عباس أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في تطويقها وليس تعميقها من خلال تصريحاته ومواقفه.
قطر أيضاً لها مصلحة من دعم الفلسطينيين لتكسب ثقة الشارع العربي من جهة وتوصل رسالة إلى السعودية بأنها قادرة على أن تحلّ محلّها عندما تتراجع الرياض عن دعم قضايا الأمة، وهذا الأمر يعدّ نقطة لمصلحة الدوحة التي تحاصرها الرياض منذ حزيران 2017.
مرّة جديدة تنجح قطر في كسب الرهان السياسي والدبلوماسي في المنطقة، ومرّة جديدة تخسر دبلوماسية محمد بن سلمان ويبتعد خطوة جديدة عن هموم الشارع العربي، قطر لها مصالح من دون أدنى شك لكن مصالحها من ناحية الشكل لا تتعارض مع مصالح الشارع العربي ونبضه وهمومه والله أعلم.