الوقت-منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، وهو يحقق أرقاماً قياسية مقارنة بأسلافه، وذلك على مختلف المستويات، فخلال هذا الوقت القصير والذي يبلغ حتى اليوم سنتين بلغ عدد الاستقالات من إداراته أرقاماً قياسية في التاريخ الأمريكي أدخلته موسوعة غنيس للأرقام القياسية.
وكان سبب هذه الاستقالات هو الخلافات الشخصية بين المستقيلين وشخص الرئيس، فمن وزير الخارجية إلى وزير الدفاع إلى سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة إلى كبار الموظفين في البيت الأبيض، كلهم قدموا استقالتهم بسبب قرارات الرئيس المتهورة على الصعيد الداخلي والخارجي.
وفي الآونة الأخيرة أيضاً، ذكرت بعض المصادر المقربة من الرئيس الأمريكي وجود خلافات واسعة النطاق بين جون بولتون، مستشار الأمن القومي في أمريكا والرئيس ترامب، وتحدثت هذه المصادر عن إمكانية إقالة بولتون من البيت الأبيض.
ووفقاً للمصادر، فإن الرئيس الأمريكي يشعر بالغضب تجاه اقتراحات بولتون الذي يرغب في خوض أمريكا حرباً ضد إيران.
وفي هذا السياق أشار الكاتب "كورت ميلز" في مقالة نشرها موقع "ناشيونال انترست" إلى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون سيتم إقالته من منصبه، بسبب مواقفه الأخيرة حيال ملفات تتعلق بكل من إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، حسبما نُقل عن مصدرين اثنين مطلعين.
كما نقل الكاتب عن مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن "هناك كلام متداول بأن ترامب يريد رحيل بولتون"، مؤكداً وجود فجوة بين الجانبين، وقال إن "بولتون سيقود سياسات المواجهة خاصة ضد إيران".
وقالت مصادر للموقع إن "بولتون ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يتناقشان طوال الوقت"، فيما أكد مسؤول سابق في الخارجية أن بومبيو "متحمس" حيال ما يسمى "عزل النظام في طهران"، لكنه متخوّف من اندلاع حرب قد "تبتلع الشرق الأوسط بأكمله".
إلا أن ترامب نفى عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وجود صراع داخلي بشأن سياسة الشرق الأوسط، وكرّر ترامب رغبته في فتح محادثات مع إيران وهي رغبة كان داعماً لها بشدة خلال الأسبوع الماضي وفقاً للشبكة الأمريكية.
لكن حتى هذه التغريدة لم تكن كافية لجعل الأمور طبيعية في البيت الأبيض، وبعد تصريحات ترامب جاء الدور على صحيفة نيويورك تايمز التي كشفت أن هناك خلافاً عميقاً بين بولتون وترامب، وقالت بأن مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي قالت إنه بينما يريد "ترامب" تجنّب الصراع العسكري مع إيران، فإن جون بولتون غير راضٍ عن مقاربة الرئيس الأمريكي لهذه القضية.
قد يعتقد البعض أن القضية الإيرانية هي الملف الوحيد الذي يختلف حوله الرئيس ومستشاره للأمن القومي، هذا الأخير الذي يعدّ الثالث في مركزه خلال العامين والنصف الماضيين والذي على ما يبدو أنه لا يتمتع بموقف ثابت ومستقر في إدارة ترامب وله خلافات مع الرئيس بشأن العديد من القضايا ومنها:
الملف الإيراني: والذي يعدّ من أهم الملفات التي يختلف حولها الطرفان، فقبل أيام وافق المجلس الاستشاري للأمن القومي بالبيت الأبيض، برئاسة جون بولتون، على نشر 120 ألف جندي في الخليج الفارسي، لكن بعد يوم واحد، رفض ترامب تأكيد الخبر بل وصف الأخبار بالمزيفة.
وقالت مصادر أمريكية أن بولتون يصرّ على إرسال هذه القوات إلى مياه الخليج الفارسي إلا أن ترامب يرفض تماماً ذلك خاصة أنها ستشكل ضربة قوية له في الانتخابات الأمريكية القادمة.
كوريا الشمالية: لكن خطوة بولتون لتفاقم التوتر مع إيران ليست سوى أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة خلافه مع ترامب، حيث يعدّ موقف بولتون الحربي تجاه كوريا الشمالية، كدولة يسعى فيها ترامب إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية معها لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية الرئيسية، هو خلاف آخر بين رئيس أمريكا ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، ففي العام الماضي، رحّب بولتون بالمباحثات الأمريكية الكورية إلا أنه أصرّ على نزع سلاحها على الطريقة الليبية، ما أدّى إلى غضب بيونغ يانغ التي اعترضت على تصريحات بولتون بشكل عنيف هدد محادثات ترامب والزعيم الكوري كيم جونغ اون آن ذلك.
فنزويلا: في حالة فنزويلا، يوجد وضع مشابه، فبينما تدعم الحكومة الأمريكية الانقلاب لكنها لا تريد التدخل العسكري، إلا أن بولتون يعارض ذلك بوضوح، فهو يريد إرسال القوات الأمريكية عبر كولومبيا إلى فنزويلا، وكذلك محاصرة كراكاس من جميع الأماكن عبر نشر الطائرات من حولها.
كما أنه قبل أسبوعين قال إن بلاده بصدد إرسال قواتها العسكرية إلى هناك إلا أن ترامب كبح من جماحه ورفض التدخل العسكري حتى اتضاح الصورة أكثر.
كما أن ترامب يتهم تهوّر بولتون بأنه سبب في فشل كل المخططات الأمريكية لغزو فنزويلا فهو بنظره أفشل العقوبات الأمريكية، وأفشل الانقلاب الأخير الذي قام به غوايدو في إحدى القواعد العسكرية.
قضية التوازن النووي مع روسيا: كلنا يعرف أن بولتون هو من حرّض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الانسحاب من معاهدة السلاح المتوسط التي وقّع عليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بهدف توقيع اتفاق أشمل يضم مخاوف أمريكا المتزايدة حول الصين وبشروط أمريكية أخرى، إلا أن الروس والصينيين يرفضون الدخول في مفاوضات جديدة تفقدهم ما يملكون من نقاط قوة لمصلحة الأمريكيين وبالتالي وصل ترامب إلى طريق مسدود في هذه القضية وذلك بسبب استشارات مستشاره للأمن القومي بولتون والتي لم تصل به في الملفات الأربعة السابقة إلا إلى طريق مسدود.
حول ماذا يختلف بولتون مع ترامب؟
إن الخلاف الرئيس بين الرئيس ومستشاره للأمن القومي هو على الشكل التالي، فترامب يقوم دائماً قبل القيام بأي إجراء أو قرار بحساب الأرباح والأضرار لأي قرار على الخزينة الأمريكية، ولذلك هو يصرّ دائماً على عدم الانجرار إلى الحرب لأنها بمختلف أشكالها ستكون مكلفة جداً، وخاصة ضد أطراف قوية كإيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وحتى فنزويلا.
ولذلك نراه مراراً وتكراراً يصرّ على الانسحاب من أفغانستان والعراق وسوريا أو يخفف أعداد قواته هناك، وهذا ما يرفضه مستشاره للأمن القومي.
كما أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أصبحت قريبة ويرى ترامب أن بولتون وقراراته المتسرعة ستؤدي إلى خسارته للانتخابات، ومن هنا يمكن القول إن الرئيس سيصرّ على عدم الدخول في أي حرب قبل الانتخابات، وقد نراه يقوم في المستقبل بإقالة بولتون من منصبه كي يكسب المزيد من الأصوات المنددة بدخول أمريكا في أي حرب.