حقبة الربيع العربي
في ظل هذه الاجواء، والأزمة التي بدأت من تونس، إنتهزت واشنطن هذه الظروف لركوب الموجة، مطلقةً شعار "الربيع العربي" من مكاتب بعيدة في واشنطن ولندن وباريس، ومن قبل جماعات ليس لهم دراية بالمنطقة. بدأت الثورات تمتد تدريجياً إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين. إلا أن أمريكا لم تنتظر طويلاً حتى تستبدل أحجارها في بعض دول المنطقة، وكذلك سعت بكل قدراتها لعسكرة المظاهرات سواءً عبر المال والسلاح أو عبر إدخال المجموعات التكفيرية المسلحة، لنقلها من أوروبا تارةً، ولضرب أعدائها في المنطقة أخرى.
من خلال هذه الخطوة، نجحت واشنطن في تحقيق التالي:
أولاً غاب الكيان الإسرائيلي عن ساحات المواجهة حتى أنه بات يرتكب يومياً جرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة دون أي إعتراض عربي كالسابق.
ثانياً تم تدمير سوريا وإضعاف الجيش العربي السوري الحلقة الاخيرة في الجيوش العربية، وكذلك دخول حزب الله في الدفاع عن لبنان وسوريا من خلال مواجهته مع الجماعات التكفيرية المسلحة.
ثالثا الأمريكي الذي خرج من الباب العراقي يريد العودة من النافذة عبر ذريعة داعش، وبالتالي بات يُتداول بجدّية الحديث عن تقسيم العراق إلى 3 أقاليم( سني-شيعي-كردي).
رابعاً باتت الطائفية أحد أبرز الصراعات التي تُغذى في المنطقة، رغم أن تنظيم داعش الإرهابي قد حصد من السنة اكثر ما حصد من الشيعة.
خامساً بعد الثورة التصحيحية في اليمن والتي أطاحت بالمبادرة الخليجية التي حاولت الإلتفاف على السلطة وتقسيم اليمن، ظهرت حركة أنصار الله بقوّة على الساحة هناك، لذلك لجأت السعودية وبعد إستلام شباب عديمي الخبرة الحکم فيها إلى شن عدوانها على اليمن لإعادة فرض سيطرتها هناك.
سادساً: إتهام طهران بإحتلال العديد من العواصم العربية( بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء)، وبالتالي محاولة للفت أنظار الشعب العربي نحو طهران بدلاً من تل أبيب، لا بل أصبح الحديث عن التحالف مع الكيان الإسرائيلي في مواجهة طهران أمراً متداولاً لدى البعض. هنا تجدر الإشارة إلى أن الإتفاق النووي الأخير زاد من القلق غير المبرر لبعض الدول العربية، وبات الكلام عن سياسة أمريكية جديدة تجاه طهران سنستعرضها لاحقاً.
اذاً، بعد حقبة ما يسمى بـ"الربيع العربي" بات الواقع يحكي عن ثلاثة محاور، محور المقاومة، محور الإعتدال ومحور الدواعش الذي لم يصوب بندقيته نحو الكيان الإسرائيلي حتى يومنا هذا، فضلاً عن حرب تُعطى طابعاً مذهبياً، وسوريا مدمّرة ويمن جريح وعراق محتل ومصر مهمّشة.
خطوات مرتقبة
رغم كافّة هذه المخططات، لم يقف محور المقاومة مكتوف الأيدي بل نجح رغم الخسائر التي تكبّدها في تحقيق إنتصارات مختلفة وفي كافّة الميادين، بدءاً من سوريا ولبنان مروراً بالعراق وإيران وصولاً إلى اليمن. لذلك وفي قراءة إستشرافية للخطوات المرتقبة من المحور العربي الأمريكي، والرد من قبل محور المقاومة نقول التالي:
أولاً ستحاول واشنطن الدخول إلى إيران باستخدام الحرب الناعمة لإسقاط النظام، إلا أن الذي يدرك طبيعة المجتمع الإيراني والأساليب الوقائية المعتمدة حالياً يذعن بفشل هذه المخططات. لقد حاولت واشنطن إيجاد "ربيع فارسي" في العام 2009، إلا أن قدرة النظام والمؤسسات الإيرانية من ناحية، ووعي الشعب ووقوفه إلى جانب قيادته من ناحية أخرى حال دون ذلك.
ثانياً تدرك أمريكا جيداً أن تنظيم داعش الإرهابي يشكل خطراً كبيراً على الكيان الإسرائيلي اذاما نجح في السيطرة على سوريا والعراق، خاصةً أنه لا يعترف بالحدود الجغرافية، لذلك قد تحاول ضربه اذاما تخطى حدودها الحمراء، في حين تدعمه لضرب محور المقاومة، فكلاهما عدو.
ثالثاً من المستبعد المضي بمشروع التقسيم في العراق وسوريا، وذلك بسبب العقبات التي ستفرضها الحكومتان السورية والعراقية بدعم من محور المقاومة. وللحشد الشعبي دور مستقبلي فاعل في التوازنات الإقليمية.
رابعاً فلسطين ستكون محوراً أساسياً في المرحلة القادمة حيث لا نستبعد أن يتم تسليح الضفة الغربية ولو بشكل جزئي، في المقابل قد يشن الكيان الإسرائيلي عدواناً جديداً على غزة وستشتعل الضفّة من جديد.
خامساً: لن تقبل تل أبيب بتعاظم القدرة لدى حزب الله لذلك ورغم أن أي حرب إسرائيلية جديدة على لبنان ترتهن لسياسات الرئيس الأمريكي الجديد، قد تلجأ تل أبيب لضرب البنى التحتية في لبنان بغية وضع حزب الله في مواجهة الشعب اللبناني.
سادساً لا نستبعد أن يحصل تباعد أمريكي سعودي في المستقبل القريب، اذ سيؤثر الصخر الزيتي على العلاقات بشكل كبير بين واشنطن والرياض، كما أن أي تناقض في الآراء حالياً في ظل وجود أمراء ينتابهم جنون العظمة، سيؤدي إلى تأزم العلاقات بين البلدين.
سابعاً لا شك في أن العدوان السعودي على اليمن سيفشل من الناحية الإستراتيجية حتى لو نجح في تحقيق إمتيازات تكتيكية، وبالتالي سيصبح اليمن بلداً فاعلاً في محور المقاومة والممانعة.
خلاصة أخيرة
يتضح أن السياسة المعتمدة من قبل أمريكا تقوم على التفرقة وزرع بذور الفتنة، ولا شك في أن أي فرد من أفراد الأمتين العربية والإسلامية قادر على الوقوف أمام هذه المخططات لإفشالها. في المقابل تمتلك الحروب الناعمة والحصار الإقتصادي حصّة الأسد في المرحلة القادمة من الإستهداف الأمريكي.