الوقت- تقف المنطقة على منعطف تاريخي سيرسم مستقبل المنطقة لعشرات، وربّما مئات السنين، لطالما قُسّمت المنطقة بين محورين رئيسيين الأول يطلق على نفسه محور المقاومة، في حين يسمّي المحور الآخر نفسه بمحور الاعتدال.
اليوم، ومع المستجدّات التي عصفت بالمنطقة، نجح محور المقاومة في تعزيز قدراته أكبر من السابق، بل إن الانتصار الكبير الذي تحقّق في سوريا ساهم في تعزيز أواصر التواصل بين أعضاء هذا المحور، في حين أن الخلافات التي برزت بين أعضاء المحور المقابل من جهة، ووصول الرئيس ترامب إلى سدّة الرئاسة الأمريكية من جهة أخرى عوامل قدّ تسبّبت في تفكّك المحور الآخر إلى محورين جديدين.
بعيداً عن المسّميات السابقة بين المقاومة والاعتدال، ونظراً لأن هذه المسمّيات كانت فيها فلسطين، والقضيّة الفلسطينية حجرها الأساس، لا بدّ من إعادة تقييم جديد لواقع المحاور القائمة بناءً على المستجدّات التي طرأت على القضية الفلسطينية.
لا يزال محور المقاومة، أو لنسمّه محور القضية، على حاله، بل هناك دول جديّدة انضمت إلى هذا المحور، فضلاً عن ارتفاع مستوى التنسيق والتآزر بين دول هذا المحور.
في المقابل، يبدو أن ما يسمى بمحور الاعتدال ليس في أحسن أحواله في ظل محاولات بعض الدول للتفرد بالقرارات وإملاءها على بقيّة الدول التي تشترك معها في بعض الأهداف إلا أنها تختلف في أهداف أخرى كثيرة.
ولعلّ أحد أبرز الخلافات اليوم بين هذا المحور تتعلّق بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وكذلك صفقة القرن التي يطرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتالي نحن اليوم أمام واقع جديد يشي بمحورين جديدين الأول هو محور التسوية والآخر هو محور التصفية.
محور التسوية
بعيداً عن الموقف العام للشارع العربي الذي ينادي بالقضية الفلسطينية وبفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، هناك العديد من الأنظمة العربية التي كانت في صلب محور الاعتدال العربي لا تملك سوء نيّة تجاه القضيّة الفلسطينية، أو بعبارة أدقّ تمتلك حسن نيّة، لكنها ترى أن هذا الأمر يجب أن يكون بناءً على المبادرة العربية عام 2002، أي حل الدولتين على حدود العام 1967، هذه الدول تعلن صراحة أنها لا تتاجر بالقضيّة الفلسطينية وتؤكد على أن القدس هي العاصمة التاريخية لفلسطين وترفض أي تسوية لا تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، من هذه الدول سلطنة عمان، قطر، والأردن. ولعل الأردن هي من تقود هذا المحور حيث شاهد الجميع موقف رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة الذي رفض الموقف السعودي وتمسّك ببند وقف التطبيع مع إسرائيل في البيان الختامي لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، مؤكداً أن الشعوب العربية ترفض التقارب والتطبيع وهو قرار للبرلمانيين العرب الذين يمثلون إرادة الشعوب.
كذلك سُجّل للرئيس المقاوم عاطف الطراونة مواقف مماثلة في الجلسات الأخيرة التي عقدها مجلس النواب الأردني وأوصى بها بسحب السفير الأردني، وطرد السفير الإسرائيلي، الأمر الذي يؤكد أن الأردن، ورغم كثرة الانتقادات الشعبية على مواقف التطبيع، إلا أنها لا تتاجر بالقضية الفلسطينية، بل تسعى إلى تسوية واستعادة جزء من الحقوق المهدورة للشعب الفلسطيني، إلا أنها في الحقيقة ستكون تسوية ظالمة جدّاً لهذا الشعب.
الملك الأردني أيضاً، تحدّث عن ضغوط يتعرض لها شخصياً، إضافة إلى تلك التي تمارس على بلاده، بسبب موقفه من القدس، ورفضه تصفية القضية الفلسطينية.
الملك عبدالله الذي تحدّث بصراحة غير مسبوقة، أمام شعبه عمد إلى إطلاق رسائل في كل الاتجاهات، قائلاً: "عمري ما راح أغير موقفي من القدس، بغض النظر عما يقوله الآخرون، نحن لدينا واجب تاريخي تجاه القدس والمقدسات".
الملك الأردني الذي كرّر كلمة ضغوط عدّة مرّات في المقطع المصور الذي بثه الديوان الملكي، قال:"في ضغط على الأردن؟! نعم في ضغط على الأردن .. في ضغط عليّ من الخارج؟! نعم صحيح هنالك ضغط يمارس عليّ، لكن بالنسبة لي القدس خط أحمر، وأنا أعلم جيداً أن شعبي معي، والذين يريدون التأثير علينا لن ينجحوا".
ورغم أن الملك الأردني لم يسمِّ هذه الدول لكن هناك اتهامات وجهها نواب معروفون بقربهم من الحكومة لدول عربية لم يسموها بالتآمر على الأردن وعلى وصايته الشرعية على المقدسات، بالتزامن مع تحرّكات شعبية تدعو لقطع العلاقة المريبة التي بدأت قبل ربع قرن مع الكيان الصهيوني.
محور التصفية
مقابل محور التسوية، هناك محور آخر قد انخرط بشكل كامل في صفقة القرن التي يعدّها صهر الرئيس الأمريكي برنارد كوشنير بالتنسيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولعلّ هذا المحور هو الذي يمارس هذه الضغوط على الأردن في ظل حديث إسرائيلي عن نقل السيادة على المقدّسات من الأردن إلى السعوديّة.
هذا المحور الذي تصحّ تسميته بمحور التصفية، أي تصفية القضيّة الفلسطينية، تقوده الدول الرائدة في التطبيع اليوم وهي السعودية والإمارات، في حين تتبع البحرين الموقف السعودي.
الموقف المصري يبدو ضبابيياً بعض الشيء، ففي حين هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد انخراط مصر في محور التصفية، هناك مؤشرات أخرى تؤكد أن الموقف المصري يهدف للحصول على مكاسب اقتصاديّة من السعوديّة والإمارات، وأن القيادة المصرية غير قادرة على تحمّل تبعات مثل هذا القرار، لاسيّما أنه سيعزّز من شعبية الإخوان المسلمين أمام الرئيس السيسي.
وبين التسويّة والتصفية، يبقى محور المقاومة قائماً خلف مطالب الشعب الفلسطيني، في حين يبدو أن النقاط التي تجمع محور القضيّة بمحور التسوية أكبر بكثير من تلك التي تجمع محور التسوية بمحور التصفية، فهل سنكون أمام اصطفافات جديدة مع اقتراب صفقة القرن التي تشير الوقائع إلى أنها ستولد ميّتة؟