الوقت- إتسمت السياسة الخارجية لسلطنة عمان منذ فترة طويلة بالإعتدال والعقلانية حيث حافظت على علاقاتها مع الجميع في المنطقة والعالم، فسلطنة عمان نجحت في جمع النقيضين الإيراني والأمريكي على طاولة واحدة في مسقط عام 2013، كما أنه لم يمنع دورها الأساسي في مجلس التعاون من بناء علاقات مميزة مع طهران.
ورغم عدم إمتلاك سلطنة عمان للقدرة الإقتصادية التي تملكها العديد من دول مجلس التعاون(السعودية، قطر، الإمارات)، وكذلك عدم إمتلاكها "إمبراطورية إعلامية" كالسعودية أو قطر، نجح هذا البلد من خلال التدابير الحكيمة لسلطانه من العبور بهدوء وسلاسة من حقول الألغام الإيرانية-السعودية والإيرانية-الأمريكية، وترسيخ نفسه كحمامة سلام في المنطقة والعالم.
في المقابل سعت قطر ومنذ قبل ما يسمى بالربيع العربي إلى الدخول في الأوساط العربية والإقليمية بأساليب مختلفة، بدأت بالإمبراطورية الإعلامية المسماة بـ"الجزيرة" ومرّت من خلال المساعدات الإنسانية التي قدّمتها الحكومة القطرية في لبنان إبان حرب لبنان الثانية، وفي فلسطين بعد الحروب الإسرائيلية على قطاع غزّة وإنتهت بالوساطات السياسية في المنطقة: اتفاق الدوحة بين المكونات السياسية اللبنانية 2008، إطلاق مختطفين لبنانيين من سوريا، وساطة النزاع الصحراوي في المغرب العربي، إستضافتها حواراً وطنياً حول المصالحة الأفغانية، إطلاق جبهة النصرة للجنود الفيجيين، وساطة لحلّ الازمة الليبية، إطلاق سراح جنود من باكستان إعتقلتهم حركة طالبان. ولكن لماذا نجحت عمان حيث فشلت قطر رغم إمتلاك الاخيرة مقومات إقتصادية وإعلامية لا تملكها الأولى؟
سياسة قطر الخارجية
نجحت سياسة قطر الخارجية في مرحلة من المراحل حيث بات الحديث عن محور قطري مقابل محاور عدّة كمصر، السعودية، سوريا وغيرها. وقد أفرزت سياسة فض الإشتباك في النزاعات الإقليمية القائمة على الوساطة وإستضافة مؤتمرات عدّة كالخلاف الفلسطيني –الفلسطيني أو النزاع في السودان، دوراً هامّاً للإمارة الصغيرة، كما ساهم خروج أميرها عن مشايخ الدول الخليجية عاملاً إضافياً لبروز دور بلاده.
لم يخطر في بال أحد أن الهدف القطري من بناء "إمبراطورية إعلامية" أو الوساطات التي قامت بها على الصعيد الإقليمي يهدف للإستخدام في سياستها الخارجية، وترسيخ دور سياسي يفوق حجم هذا البلد الصغير بأضعاف، إذ شكّل ما يسمى بـ"الربيع العربي" نقطة عطف في السياسة الخارجية القطرية. مع بدء الثورات العربية حاولت قطر وبالإستفادة من ذراعها الإعلامية تطويع هذه الثورات خدمةً لمشروعها الذي بدأت تتضح معالمه من تونس، واستكملت في مصر، إلى أن ترسّخت في سوريا.
عندما وجدت نفسها امام تحالف مصري-سعودي(في السابق) للحفاظ على حكم مبارك أو تقوية نظام السيسي، وكذلك محور إيراني سوري لمواجهة إرهاب الجماعات التكفيرية، لجأت قطر للإنضمام إلى تركيا وبالتالي التورط بشكل مباشر في الحرب السورية، كما أنها تعرّضت إلى إتهامات عدّة على الساحة المصرية كدعم الإخوان وإحتضان إرهابيين(إستضافة القرضاوي) وإثارة الفتنة بين أبناء الشعب المصري. وما زاد طينتها بلّة الخلاف الخليجي – الخليجي حيث سحبت دول مثل الكويت والإمارات والسعودية سفرائها من الدوحة بسبب تآمر الاخيرة على أمن دول مجلس التعاون والتدخل في شؤونهم الداخلية.
جنون العظمة
تشير السياسة القطرية إلى رسالة واحدة مفادها الحصول على دور إقليمي فاعل بشتى الوسائل، وبالتالي أرادت أن تتخذ دوراً مشابها لسلطنة عمان وبوتيرة أعلى، اذ لا تلبي النجاحات العمانية طموحات قطر التي اتُهمت بالإصابة بداء العظمة.
كان من الممكن لقطر أن تتخذ موقفاً حكيماً في الازمة المصرية بالوقوف على الحياد، وبالتالي إذا لم تنجح في كسب أصدقاء جدد لن تستعد آخرين، إلا أن إصرارها على دعم جماعة الإخوان المسلمين وإستخدام الجزيرة لزعزعة الأمن المصري جعلها من ألد أعداء الحكومة والشعب المصري. كذلك في الساحة السورية كان من الممكن لقطر أن تسعى لحل الازمة منذ بداياتها عبر مؤتمرات فض الإشتباك بصرف النظر عن نتائجها، إلا أن جنون العظمة حال دون ذلك، وأدخل قطر في المشروع التركي الذي بات يتحمّل حالياً مسؤولية مئات الآلاف من الشهداء والجرحى.
ولم يقتصر الطموح القطري بدور أكبر من حجمه الفعلي على التجاذبات السياسية، بل حاولت الدوحة وبكل ما تملكه من إمكانيات، ترسيخ إسمها في العديد من المحافل الدولية، كان أبرزها تنظيم كأس العالم لكرة القدم في العام 2022، وإستضافتها للمنتدى الاقتصادي العالمي عام 2010 لمناقشة وجهات نظر اقتصادية جديدة بعد الأزمة العالمية .
لقد دمّر جنون العظمة القطري ما بنته السياسة القطرية الناعمة في فض الإشتباكات طوال السنوات، فمشاركتها بقوّة بإتجاه قرار الحظر الجوي أثناء الثورة الليبية، وتوجيه الضربات العسكرية لنظام القذافي، إضافةً إلى سعيها لزعزعة الإستقرار المصري، ودعم الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، جعلتها إمارةً منبوذة من أغلب دول الإقليم حكومةً وشعباً بإستثناء تركيا، في المقابل نجحت سياسة "النأي بالنفس" للسلطان قابوس في تعزيز إستقرار مسقط، وإعطائها دوراً إقليمياً بارزاً وفاعلاً فشلت قطر في الحصول عليه، فما هكذا تورد الإبل يا قطر!