الوقت- تعيش تركيا هذه الأيام سلسلة من التحديات التي تتفاقم يوماً بعد يوم في ظل اختلاف مصالحها مع مصالح الدول الكبرى التي تبحث عن تركيا غير تركيا التي يبحث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهذا الأمر يجعلها في حالة صدام دائم مع مشاريع الغرب وخططه التي يسعى لتنفيذها في الشرق الأوسط، ومن هنا يمكننا أن نفهم شيئاً عن الأسباب الكامنة خلف التذبذب المستمر في العلاقة بين واشنطن وأنقرة والتي وصلت إلى طرق مسدودة في كثير من المراحل التي شهدناها خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن هناك مجموعة من المصالح المشتركة التي يحاول الطرفان الحفاظ عليها قدر المستطاع ضمن أسلوب براغماتي يتقنه الطرفان بكل حرفية لكن "أزمة الثقة" بدأت تنخر عظام العلاقات بين البلدين بسبب الخذلان الذي تعرّضت له تركيا من حليفتها أمريكا.
تركيا
ما يؤرّق تركيا بشكل أساسي هو "متلازمة الأكراد" هذا الموضوع الذي يعدّ العصا السحرية بيد واشنطن والذي تستطيع من خلاله ترويض تركيا إلى حدود معينة، ورغم كل المحاولات التركية للإفلات من هذا الأمر إلا ان واشنطن مستمرة في استغلاله والاستفادة منه قدر المستطاع وحتى آخر رمق، فبالنسبة للأتراك كل ما يتعلق بالأكراد يجدون فيه خطراً عليهم، وعلى أمنهم القومي، بينما تجد واشنطن فيهم الحليف والورقة الرابحة التي تشكّل التوازن المطلوب على الحدود "التركية - العراقية - السورية - الإيرانية" ولكي تغضب واشنطن أنقرة نجدها تلعب معها لعبة "شدّ الحبل" والتي خسرت فيها تركيا حتى اللحظة إحدى أهم الجولات من خلال تسليمها القس الأمريكي أندرو برانسون دون أن تحصل على المعارض التركي فتح الله غولن وتعيده إلى تركيا، على الرغم من أنها حاولت استرداده بعد أن وجدت في مقتل خاشقجي فرصة لذلك من خلال الضغط على حليفة واشنطن التقليدية "السعودية" لإجبار أمريكا على تقديم بعض التنازلات مقابل طيّ تركيا ملف خاشقجي إلا أن أنقرة لم تفلح بذلك حتى اللحظة ولذلك وجدنا ملف خاشقجي مفتوحاً حتى اللحظة مع وقف التنفيذ بحق الجناة.
أمريكا
على المقلب الآخر نجد واشنطن غير واثقة بأنقرة ولا بسياسة أردوغان التي تجد فيها خطراً على مصالحها، خاصة في سوريا وفلسطين والعلاقة مع إيران وغيرها من الملفات، ومن هنا اعتبر مدير الاستخبارات القومية الأمريكية دان كوتس أن السلطات التركية تسعى إلى تحدي أمريكا في المنطقة، مشدداً على أن العلاقات بين البلدين تزداد صعوبة، وقال كوتس في كلمته يوم أمس الثلاثاء، خلال جلسة استماع في لجنة الاستخبارات لمجلس الشيوخ التابع للكونغرس الأمريكي: "تمرّ تركيا، وفق تقديراتنا، بتحوّل في هويتها السياسية والقومية، الأمر الذي سيعقّد إدارة العلاقات بين واشنطن وأنقرة خلال السنوات الـ5 المقبلة"، وأوضح كوتس: "الطموحات الإقليمية لتركيا وعدم ثقتها بأمريكا بالإضافة إلى ارتفاع مستوى تسلّط زعمائها تزيد من صعوبة العلاقات الثنائية وتعزز استعداد أنقرة لتحدي أهداف سياسات واشنطن في المنطقة"، وتشهد العلاقات بين تركيا وأمريكا، الدولتان الحليفتان في إطار الناتو، توتراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة خاصة بسبب دعم واشنطن لتنظيم "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذي تعتبره أنقرة إرهابياً وتحاربه على مدار أكثر من 3 عقود، وتجري تصريحات كوتس، الذي ينسّق أعمال 16 مصلحة ووكالة استخباراتية في أمريكا، في الوقت الذي تهدد فيه تركيا بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا ضد المسلحين الأكراد، الذين تعاونت معهم واشنطن في الحرب ضد "داعش".
الأكراد مجدداً
تنفّس الأكراد الصعداء عند الحديث المقتضب الذي جرى مؤخراً بين الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" إلهام أحمد، ليلة الاثنين الماضية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وذلك في فندق ترامب، عندما مرّ الرئيس بطاولتها ليلقي عليها التحية، وظل في محادثة معها لمدة 10 دقائق، بحسب "سي إن إن" التي قالت: إن ترامب تصادف وجوده في فندقه لجمع تبرعات تتعلق بحملاته السياسية.
وخلال اللقاء صرّح الرئيس دونالد ترامب بكلمات وصفت بـ"المطمئنة"، ووجهها إلى الرئيسة التنفيذية إلهام أحمد، ونقلت شبكة "سي إن إن" أن الرئيس الأمريكي قال للقيادية الكردية، في اجتماع دبلوماسي غير تقليدي في فندق ترامب إنترناشونال، في واشنطن، مساء الاثنين: "أنا أحب الأكراد."
واستغلت إلهام أحمد الزيارة المباغتة، وسألت ترامب ما إذا كان يريد أن يترك الأكراد في سوريا ليذبحهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن ترامب وعدها بألّا يفعل ذلك، وقالت السياسية الكردية، الثلاثاء: "لقد شعرنا بتحسّن كبير، لكننا لا نزال نبحث عن مزيد من الاجتماعات".
إذن ترامب يعي تماماً كيف يستفزّ الأتراك ومتى، وتركيا أيضاً تدرك تماماً كيف تتحرك في هذا الشرق، لذلك نجد الجدال يصل إلى أقصاه بين هاتين الدولتين في أغلب الحالات، خاصة وأن العلاقة بينهما معقدة كثيراً وتنطوي على عدد كبير من الملفات التي يشترك الطرفان في بعضها ويتعارضان في البعض الآخر، وكما تلوّح واشنطن بدعم الأكراد نجد تركيا تلوّح بشراء صفقة "اس 400" من روسيا، وتحذّر واشنطن من الاتجاه شرقاً في حال ضغطت عليها أكثر من ذلك، كما أنها ترتبط مع إيران بعلاقة استراتيجية متينة دفعتها لعدم مشاركة أمريكا وانصياع الدول الأخرى لفرض العقوبات على إيران.