الوقت - الأزمة إلى تفاقم، وتيار نتنياهو قرّر التمرّد والمضي في مواجهة إدارة أوباما إلى النهاية. فالصدع أصبح كبيراً جداً بعد توقيع الإتفاق النووي والمواقف التي يتخذها الجانبان لا تنبئ إلاّ بتعقيد المشهد وزيادة التوتر، فكيف سيكون الإنفجار؟ مع تعارض الأولويات والرؤى في العديد من ملفات المنطقة بين الطرفين تشهد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أخطر مراحلها في التصريحات والتهديدات التي يطلقها الفريقان. ففي موقف ذات دلالة واضحة ذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان الخلاف بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والادارة الامريكية، حول الإتفاق النووي وصل الى حد يزور وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، منطقة الشرق الاوسط من دون ان تشمل زيارته الكيان الاسرائيلي وأشارت الى ان "الحضيض" الذي وصلت اليه العلاقات بين الجانبين، بات أكثر وضوحاً مع الإعلان عن أن كيري لن يزور "اسرائيل" خلال زيارته الشرق الأوسط الاسبوع المقبل، متوجهاً إلى القاهرة للمشاركة في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ثم يزور دولة قطر، ويلتقي بوزراء خارجية دول مجلس التعاون.
وقالت مصادر إنّه على رأس المواضيع المطروحة خلال زيارة كيري للمنطقة هو الاتفاق النووي مع ايران حيث يسعى كيري إلى إقناع وشرح أهمية الاتفاق للدول الخليجية ويتجاوز "الكيان الاسرائيلي"، بذريعة ان كيري كان على اتصال مع نتنياهو مرات كثيرة في الأسابيع الأخيرة، وتمّت مناقشة الإتفاق معه.
ومن ناحيته عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن غضبه لقرار إستثناء کيانه من زيارة كيري حسبما أفادت الإذاعة الإسرائيلية مشيرةً الى ان نتنياهو علق ساخراً على قرار كيري بالقول: "إن إسرائيل غير مرتبطة بالاتفاق ولن تتأثر به". ويُذكر ان آخر محادثة هاتفية جرت بين كيري ونتنياهو كانت في 16 تموز بعد توقيع الاتفاق مع ايران.
وقد تفاعل في الداخل الإسرائيلي خبر زيارة كيري للمنطقة حيث انتقد العديد من المعلقين السياسيين والمحللين ورؤساء الأحزاب نتنياهو وحمّلوه مسؤولية توتر العلاقة مع أمريكا، حيث قال "المعسكر الصهيوني"، الذي يرأسه اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني، "إن سياسة رئيس الحكومة تدفع الولايات المتحدة إلى القفز عن إسرائيل وتلحق الضرر بأمن مواطنيها. وواقع أن كيري يقفز عن إسرائيل، رغم كونه في المنطقة، يشكل إثباتاً آخر على أن سياسة نتنياهو مع الأمريكيين، ليس فقط لا تعزز أمن إسرائيل، بل أنها تضر بأمن مواطنيها وتدفع الأمريكيين للبحث عن حلفاء آخرين في منطقتنا".
وهناك صراع مشابه في الداخل الأمريكي والإسرائيلي حول الإتفاق النووي، حيث يسعى الكيان الإسرائيلي للضغط على إدارة أوباما وإقناع الكونغرس لرفض الإتفاق، وهو ما يواجهه كيري خلال دفاعه عن الإتفاق داخل الكونغرس. وقد وصل الأمر بكيري إلى إطلاق التهديدات في وجه الكيان الاسرائيلي محذراً إياه من مغبة تنفيذ تهديداته بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. ورد مسؤولون إسرائيليون بأن تل أبيب لا تخضع للتهديد، ولن تتوقف عن مساعيها من أجل إسقاط الاتفاق.
وكان كيري الذي يشعر بعدم وفاء الكيان الاسرائيلي وخاصة حكومة نتنياهو لما قدمه له طيلة سنوات قد قال وعدم الإرتياح بادٍ على وجهه في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك: "خدمت 29 عاماً في مجلس الشيوخ، وأنا فخور جداً بأنني صوتّ 100 في المئة لصالح دعم إسرائيل طوال تلك الفترة. ولا أحد عمل في السنوات الأخيرة أكثر مني من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط". وأضاف أنه التقى بنتنياهو وزار الكيان الاسرائيلي أكثر من أي وزير خارجية أمريكي في التاريخ. وقال إنه يعتبر نتنياهو صديقاً، وإنهما يتحدثان، ومن "الواضح أننا لا نتفق حول الاتفاق، وقلت له مشاعري. ولكني بالتأكيد أؤمن بما نفعل. ونحن نوفر لإسرائيل الأمن والسلام. فلا بدائل أخرى أمامنا".
وتحاول إدارة أوباما "التعويض على الكيان الإسرائيلي" وترميم العلاقة من خلال الافراج عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد في 21 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم وذلك بعدما أنهى محكوميته 30 عاماً لإدانته بالتجسس لصالح هذا الکيان، بالرغم من أنّ كيري أكد أن الافراج عن بولارد غير مرتبط بالاتفاق النووي مع ايران.
وحتى عندما قدّم الرئيس باراك أوباما الحجج بأن خصوم الاتفاق لديهم مبررات سخيفة، رد نتنياهو بأن أنصار إيران في سوريا ولبنان يحتفلون بانتصارها في الاتفاق. وفي ذات السياق، قال الرئيس الامريكي باراك اوباما إنه لم يسمع حتى الآن ولو ادعاءاً واقعياً واحداً من جانب من يعارضون الاتفاق. وأضاف "إن غالبية علماء الذرة في العالم وخبراء نزع الاسلحة النووية يدعمون الاتفاق ويعتقدون انه امثل الطرق لمنع حصول ايران على سلاح نووي."
ومن جانب آخر اشارت "هآرتس" إلى أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد سوف يتوجه إلى أمريكا، في زيارة تستغرق 24 ساعة، يجتمع فيها مع رؤساء لجنة المنظمات اليهودية الأمريكية، لمناقشة المخاطر التي ينطوي عليها الاتفاق النووي. كما سيتوجه رئيس معهد دراسات الأمن القومي ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال عاموس يدلين، إلى واشنطن لمناقشة الاتفاق النووي مع عدد من السناتورات، ثم يتوجه إلى نيويورك ليشارك في اجتماع لجنة رؤساء المنظمات اليهودية إلى جانب غولد.
فالصدفة التي جمعت صعود باراك أوباما إلى رئاسة أمريكا، مع صعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، للمرة الثانية عام 2009، لعلها ولدت أسوأ لحظة شهدتها العلاقة بين رئيس امريكي ورئيس حكومة إسرائيلية. والخلافات الحقيقية بين الجانبين، ناجمة عن تغير سلم المصالح والاولويات الامريكية، وانتهاء المكانة المركزية لأمريكا في المنطقة، وتراجع حضور الكيان الإسرائيلي كذخر استراتيجي ويد للبطش عند الحاجة، وتحوله إلى عبء سياسي وامني واخلاقي. فالكيان الوظيفي لم يعُد على قدر طموحات السيد الأمريكي الذي بدوره انكسر وأضاع الثقة والهيبة فأصبح عرضةً للتمرّد والإتهام.