الوقت - خلافاً للنتائج المرتقبة بعد الإتفاق النووي بين طهران والدول الست(5+1)، ارتفعت وتيرة التهديدات العسكرية التي يطلقها مسؤولون أمريكيون ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث لم تمر 24 ساعة على الإتفاق وإعلان حصيلة المفاوضات النووية حتى بدأت القيادات الأمريكية بالتصويب الدبلوماسي على طهران ولكن بلهجة عسكرية هذه المرّة.
لم تكتف الإدارة الأمريكية بتهديدات الرئيس باراك أوباما الذي إعتبر أن بلاده مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لم يفلح النهج الدبلوماسي، موضحا في حوار أجرته معه شبكة "بي بي سي" البريطانية أن إبرام الاتفاقية بشأن البرنامج النووي الإيراني، إشارة واضحة لطهران بأن المجتمع الدولي مستعد للتعاون معها .
وزعم الرئيس الأمريكي أن الايرانيين يدركون جيدا أن أمريكا جادة في الخيار العسكري ضد بلدهم والقضاء على الجيش الايراني اذاما اقتضت المصالح الامريكية .
وأما وزير الدفاع الامريكي "اشتون كارتر" فقد أشار إلى حصيلة المفاوضات النووية وأكد أن بلاده تناقش مع الكيان الإسرائيلي الخيار العسكري ضد ايران منذ سنوات عدة . كذلك إعتبر المتحدث بإسم البيت الابيض الامريكي "ارنست جاش" أن اشنطن تمتلك عدة خيارات على الطاولة سواء عاد الحظر ضد إيران بصورة عاجلة أم لا .
وقد بادر عدد من السناتورات في الكونغرس الامريكي الى اطلاق التهديدات ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية واللجوء إلى الخيار العسكري ضدها والتي ازدادت في الآونة الأخيرة حيث أكد السناتور من الحزب الجمهوري عن ولاية آكانزاس الامريكية الجديد "راو استوري" أن الغارات الجوية ضد ايران ستكون سريعة ودون الحاق الأذى وتؤدي الى تسهيل المفاوضات، على حد تعبيره .
تظهر هذه التصريحات مدى العداء الامريكي لطهران وتعاملها المزدوج مع هذا الشعب، مما يؤكد ضعف واشنطن في الحوار والمنطق لحل المشاكل العالقة، ولكن ما هو موقف الجانب القانوني والفقه الدولي من هذه التهديدات العسكرية واستعمال القوة؟
التداعيات القانونية
لطالما إستخدمت واشنطن القوّة غير المباشرة أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة في مواجهة طهران كالعقوبات الاقتصادية والسياسية، إلا أنها رغم التهديدات التي بدأت منذ الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وسرت على خطابات الرئيس بوش الإبن، والرئيس أوباما حاليا، لم تتجرأ واشنطن على الخوض في غمار المواجهة المباشرة مع طهران.
لم تعر أمريكا أي إهتمام للقانون الدولي منذ نشاتها، بل تسعى الإدارة الأمريكية، وخاصةً بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي إلى التأكيد على هيمنة واشنطن على السياسة العالمية كونها القطب الوحيد، حتى أن جون بولتون الذي يعتبر الرجل الثاني في وزارة الخارجية، أيام كولن باول يقول "لا يوجد شيء مثل الأمم المتحدة هناك الجماعة العالمية التي تقودها القوة الوحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة وذلك عندما تتوافق الحاجة إليها مع مصالحنا، وعندما نجد آخرين ينخرطون معنا في الركب".
لذلك لم تهتم واشنطن بالقوانين الدولية التي تحرّم التهديد بإستخدام القوّة فضلاً عن إستخدامها، حيث تنص المادة الثانية من الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو باستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أم على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
كذلك لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تخول أي عضو من أعضائها استخدام القوة من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.
رغم إدراكنا المسبق أن المجتمع الدولي لا يعدو عن كونه مؤسسة دولية لشرعنة المصالح السياسية للقوى الكبرى في العالم، إلا أنه لا ضير في سرد التداعيات القانونية المفروضة على هذه المؤسسة الدولية، اذ يعتبر منع ارتكاب الجرائم والحد منها هي من مسؤولية المجتمع الدولي وخصوصا ما ورد في الباب السادس والباب السابع للمواد 39 و50 والمتضمنة اتخاذ كافة الإجراءات ضد الجرائم الدولية وخاصة جريمة الحرب والعدوان المسلح التي ترتكب ضد دولة أخرى وخول مجلس الأمن الصلاحيات اللازمة لاتخاذ تدابير عسكرية أو غير عسكرية وفقا للمادتين 41 و42 المتضمنتين تصرف مجلس الأمن بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين تجاه ارتكاب الجرائم الدولية التي تترتب على الأشخاص بغض النظر عن صفاتهم أو الحصانات التي يتمتعون بها سواء كانوا رؤساء أم قادة عسكريين.
ربّما يرى البعض أن هذه الاحاديث تدخل في إطار الترف الفكري، ولكن ليس القصد هنا محاسبة بوش أو غيره من القادة الامريكيين في المحاكم الدولية بسبب إرتكابهم أبشع المجازر في العراق وأفغانستان، او تهديد اوباما وإدارته بلجوء ايران إلى مجلس الامن للدفاع عن نفسها في حال تعرّضت لأي إعتداء عسكري.
ولكن يهدف حديثنا هنا لرسم صورة واضحة عن الواقع الدولي الراهن من ناحية، وسياسة أمريكا في التعاطي مع الملفات الدولية، إذ تحاول أن تستعمل سياسة "العصا والجزرة" مع طهران، ولكن تدرك أمريكا أن الرد الإيراني سيقضي على مصالحها في المنطقة.
يحق لطهران أن تلجأ إلى المؤسسة الدولية في حالة أي إعتداء أمريكي، إلا أنها لن تنتظر طويلاً حتى تكبّد واشنطن أكبر خسارة في القرن الحالي، فرغم الضربات الموجعة التي قد تتلقاها ايران في حال أي مواجهة عسكرية، لن تبقى لأمريكا أي قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وربّما تتطور المواجهة إلى ما هو أبعد من المنطقة.
v