الوقت-في هذه الأيام تعيش حكومة بريطانيا المحافظة أوقاتاً صعبة خاصة بعد رفض قادة أوروبا لخطتها حول "بريكست"، كما أنه وفقاً للجدول الزمني الذي تم وضعه سابقاً، أي بعد أقل من ستة أشهر، أصبح من الضروري توفير جميع الترتيبات اللازمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن الواقع الميداني يظهر أن لندن ليست مستعدة حتى الساعة للخروج من الاتحاد، وقالت رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، نهار الجمعة الماضي: إن على الاتحاد الأوروبي أن يقدّم بديلاً لمقترحاتها حول "بريكست"، لأن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن رفض قادة الاتحاد خططها دون تقديم أسباب.
تعطّل بريكس المتكرر
إن تعطّل المفاوضات الأخيرة بين تريزا ماي والاتحاد الأوروبي حول خروج بريطانيا من الاتحاد لم يكن الأول من نوعه، فمنذ بدأ المفاوضات، أي منذ أكثر من 3 سنوات، وهناك اختلافات كبيرة بين الطرفين، ولعل أبرز الخلافات التي لا تزال قيد البحث بين الطرفين تتعلق بدفع الفواتير بسبب الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، حيث أعلنت بريطانيا أنها مستعدة لدفع 40 مليار يورو (47 مليار دولار) كجزء من صفقة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي طالب بـ 60 مليار يورو، وبعملة اليورو وليس بالجنيه البريطاني، ومع ذلك، في النهاية، اتفق المفاوضون البريطانيون والأوروبيون على ضرورة دفع لندن بين 45 و55 مليار يورو (من 53 إلى 63 مليار دولار) كتعويض للخروج من الاتحاد، وفي الوقت الحالي، هناك خلاف حول اتفاقات الأعمال والتبادل الاقتصادي بين أوروبا ولندن، ومن ناحية أخرى، لا يزال الجانبان مرتبكين بشأن مستقبل حدود إيرلندا، ففي ثاني أيام القمة، صرّح عدد من القادة لوسائل الإعلام بأن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تحتاج إلى تقديم ضمانات بشأن الحدود بين إقليم إيرلندا الشمالية التابع لها وإيرلندا الدولة، العضو في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يمنحوها اتفاق الخروج الذي تريده تلافياً لسقوط بريطانيا من التكتل.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وضع ثلاثة خطوط حمر خلال مفاوضاته مع بريطانيا وهي:
1-ضمان الحريات الأربع -حرية حركة الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال -التي لا يمكن فصلها عن وجهة نظر الأوروبيين ويجب قبولها أو رفضها جميعاً.
2-عدم إنشاء الحدود الجمركية بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية.
3-ضمان حقوق المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا.
وبما أن إيرلندا الشمالية هي جزء من بريطانيا، تسعى الأخيرة إلى الفصل بينها وبين جمهورية إيرلندا (العضو في الاتحاد الأوروبي) وإيجاد حدود بين الطرفين، وهنا يرى محللون أن طرح هذه القضية سوف يعيد نيران الحرب بين البلدين.
إصرار بريطانيا على الفصل بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية، يتزامن أيضاً مع إصرار بريطاني على ضمان التبادل الحر في التجارة بين لندن والاتحاد الأوروبي، حيث قدمت تيريزا ماي منذ أسبوعين خطة تحمل عنوان "تشيكرز"، والتي بموجبها ستبقى بريطانيا في منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي خاصة بالمنتجات الصناعية والزراعية، إلا أن هذه الخطة اليوم تواجه العديد من الانتقادات من جانب المؤيدين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، حيث بنظرهم تعني أن قطاعات في الاقتصاد البريطاني ستظل خاضعة للقواعد التي تقرّها بروكسل وهذا يتنافى بشكل كبير مع مبادئ الانفصال، وكان وزير الخارجية السابق بوريس جونسون قد أعلن استقالته من الحكومة اعتراضاً على هذه الخطة، كما ان هذه الخطة تلاقي رفضاً أوروبيا أيضاً بسبب عدم الاتفاق حول الحدود بين إيرلندا الجمهورية وإيرلندا الشمالية.
الانقسامات الثلاثة حول "بريكس" في لندن
من ناحية أخرى، أدى فشل المفاوضات بين بروكسل ولندن حول خروج بريطانيا من الاتحاد إلى خلق وجهات نظر متعددة حول "بريكس"، حيث يرى رؤساء ووزراء متشددون من بينهم ريس موج رئيس مجموعة البحث الأوروبية، وهي فصيل داخل حزب المحافظين الذي تتزعمه ماي بشدة، أن خطة الحكومة الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي والمعروفة باسم "خطة تشيكرز" تؤيد انفصالاً صريحاً من التكتل بحلول 29 مارس 2019، ومن بين هذه المجموعة أيضاً وزير الخارجية السابق بوريس جونسون وأيضاً نايجل فاراج، الزعيم السابق لحزب استقلال بريطانيا، والعضو الحالي في البرلمان الأوروبي، الذين يؤيدون الانسحاب الكامل لبريطانيا دون موافقة الاتحاد الأوروبي.
أما الطرف الثاني يرى أن خطة ماي حول التبادل التجاري الحر والحدود بين الطرفين سوف تواجه رفضاً أوروبياً وعليه يجب تقديم اقتراحات جديدة حول بريكس، أما الطرف الثالث والأخير وهو قوي جداً يسعى أيضاً إلى إلغاء خطة رئيس الوزراء الحالية وإعادة الاستفتاء حول وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهذه المجموعة يمثل أغلبيتها حزب العمال الشيوعي، الذي يعتقد أنه إذا تم إجراء الاستفتاءات البريطانية مرة أخرى، فستبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي إن تيريزا ماي اليوم أمام جبهتين قويتين، ويقول جاكوب ريس موج، المتداول اسمه كخليفة محتمل لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، إن "المتشككين في الاتحاد الأوروبي داخل البرلمان ليسوا أغلبية في كل القضايا، لكنهم لا محالة سيشكلون أغلبية في بعض من هذه القضايا، وهو ما سيجعل التشريع صعباً بدرجة غير عادية إذا استند إلى خطة تيشكرز".
المستقبل المبهم لبريطانيا واتفاق بريكس
من المقرر أن يناقش الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في نوفمبر القادم، مرة أخرى مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعلى ما يبدو أنها ستكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق. ولكن إذا ما استمر الجانبان في الإصرار على مواقفهما، فإن الاحتمالات التي من الممكن أن تحدث هي كالتالي:
1-إقالة الحكومة من خلال التصويت بحجب الثقة عنها ما سيسمح لليمين المتطرف في بريطانيا الوصول الى الحكومة ويعني انفصال بريطانيا الحتمي عن الاتحاد الأوروبي.
2-انتخابات عامة مبكرة، وفي هذه الحالة، إذا أتيحت الفرصة لحزب العمل للفوز بمزيد من الأصوات في البرلمان، فسيكون من الممكن إجراء استفتاء جديد حول استمرار الوجود البريطاني في الاتحاد الأوروبي.
3-تمديد المفاوضات بين لندن وبروكسيل للتوصل إلى اتفاق أكثر واقعية بين الطرفين.
في الوقت نفسه يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الضغط على بريطانيا من أجل إبقائها في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع اقتراب موعد الانفصال الذي حددته لندن، إلا أنه مع وجود حزب اليمين المتطرف والمؤيد بنسبة كبيرة للانفصال عن الاتحاد في البرلمان البريطاني، فإنه من الناحية العملية قد أصبح احتمال بقاء بريطانيا في الاتحاد صعباً للغاية.