الوقت- في الذكرى الـ 36 للمجزرة التي وصفت بأنها من أعظم جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين، تستعيد الجماهير الفلسطينية آلام ما حصل في ذلك اليوم الحزين، وكيف أن الاحتلال طردهم من بيوتهم، إلى المخيمات، ثم طاردهم في المخيمات على أيدي أعوانه من العملاء، وأعمل فيهم مزيداً من القتل والتشريد، ليطمس قضيتهم وينهي وجودها، كي ينسوا أرضهم وحق العودة، ولا يفكروا حتى بالعيش قرب فلسطين.
اليوم يستذكر الفلسطينيون ومعهم العرب والمسلمون كيف أنه وبالرغم من كل ما جرى، والذي ثبّته التاريخ، لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً لمحاسبة جدية لمن ارتكب هذه المجزرة، وكيف أعطيت الفرصة للجاني المتمثل بشكل رئيسي بالاحتلال الإسرائيلي ورئيس وزرائه آنذاك أرييل شارون، لارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بالرغم من الشواهد التي تدينه أمام العالم.
في مثل هذا اليوم في 16 سبتمبر/أيلول من العام 1982 وهو العام الذي حصل فيه الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً مشدداً على المخيمين، ليسهّل عملية اقتحامهما من قبل ميليشيا لبنانية مسلّحة موالية له، تلك الميليشيا كانت مكونة من بعض المنتمين لحزب الكتائب اللبناني اليميني، بالإضافة إلى ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة سعد حداد، الذي كان رائداً في الجيش ويقود وحدة عسكرية تضم أربعمئة جندي في بلدة القليعة، قبل أن ينشق عن الجيش ويتحالف مع "إسرائيل" مشكلاً تلك الميليشيا المناهضة للوجود الفلسطيني في لبنان.
وقد حضر ساحة المجزرة قائدان من جيش الاحتلال الإسرائيلي "أرئيل شارون" قائد الجيش الإسرائيلي ورئيس أركانه "ورفائيل إيتان" اللذان أشرفا على قتل قرابة ثلاثة آلاف، ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني بدم بارد، وذلك على مدار ثلاثة أيام متتالية، تخللها هدم المنازل فوق رؤوس أصحابها، والتفنن بالقتل والتمثيل بالجثث، فيما عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على إحكام الحصار وإضاءة المخيم بالقنابل المضيئة ليلاً ليسهل على القوات الإجرامية التي شاركته المجزرة تنفيذ أكبر قدر من الإجرام ضد السكان العزّل، ومنع محاولات هروب السكان خارج المخيم.
وقد جرت هذه المجزرة الأليمة بعدما استغلت الميليشيات اللبنانية العميلة للاحتلال، خروج المقاومين الفلسطينيين من لبنان بموجب اتفاق وقف القصف على بيروت رغم أنهم اشترطوا لمغادرة بيروت، حماية أهلهم العُزل في المخيمات، ودخلوا إلى المخيمين بموافقة شارون الذي كان يحاصرهما.
اليوم وبعد 36 عاماً على المجزرة، نستخلص الكثير من العبر، نذكر منها:
أولاً: لم تنجح هذه المجازر في إنهاء الشعب الفلسطيني وقضيّته، المقاومة الفلسطينية اليوم أقوى مما كانت عليه أيام صبرا وشاتيلاً، وغدا ستكون أقوى من اليوم، هذه المجازر لن تثني الشعب الفلسطيني عن استعادة كامل الأرض من البحر إلى النهر، والتأكيد على حق والعودة واستعادة جميع الحقوق الفلسطينية.
ثانياً: تكرّس هذه المجزرة الصورة الإرهابية لكيان الاحتلال الإسرائيل، وعلى الشعوب المسلمة أن ترفض مبادرات قياداتها للتطبيع مع هذا الكيان المجرم، ولا سيما التآمر السعودي لتمرير صفقة القرن، وتصفية القضية الفلسطينية.
ثالثاً: إن جميع مسارات التسوية مع العدو الاسرائيلي لم تنجح باستعادة الحقوق، على عكس خيار المقاومة الذي سجّل النصر تلو الآخر على هذا العدو الغاشم، وهذا يؤكد مقولة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
رابعاً: إن اصطلاح "العدالة الدولية" لم يكن إلا حبراً على ورق بما يتعلق بقضايا العرب والمسلمين، وأن المحاسبة لا تطول دول الاستكبار العالمي، ولا ربيبتهم "إسرائيل"، وعلى الدول الإسلامية أن تطالب بحزم بحقوق الشعب الفلسطيني، فالحق لا يسقط بالتقادم، وينبغي العمل على محاكمة مجرمي الحرب على كل جرائمهم، وفي مقدمتها مجزرتي صبرا وشاتيلا.
خامساً: إن فرضية أن تكون أمريكا وسيطاً نزيهاً، وأنه يمكن الاستناد عليها لنيل الحقوق الفلسطينية، ما هو إلى وهم، فأمريكا أثبتت تعصّبها ضد الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وإن حادثة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ينبغي أن تؤدي إلى قطع كل أمل من الإدارة الأمريكية لتحصيل الحقوق الفلسطينية.
سادساً: إن الأمم المتحدة ما هي إلا أداة بيد القوى المستكبرة في العالم، ولا سيما أمريكا وإسرائيل، وهي في كثير من الأحيان تنظر بإزدواجية إلى القضايا، وما قطع التمويل عن منظمة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين الأونروا إلا دليل على هذا السياق، لذلك ينبغي على الدول الإسلامية أن تكون الملاذ البديل للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب الوحدة بين أبناء العالم الإسلامي.
ختاماً: لن يندمل جرح صبرا وشاتيلا ما لم يتحقق الثأر، والثأر يكون بزوال الاحتلال، وهذا لن يتحقق إلا بالمقاومة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة في الضفة وغزة، من الجليل إلى سيناء.