الوقت- دولة بحجم أمريكا ليس من السهل عليها تقبّل فكرة الخسارة في الشرق الأوسط والخروج منه خالية الوفاض على عكس ما كانت تخطط له خلال عقود من الزمن، وآخر محاولاتها لاختراق الشرق في القرن الجديد جاءت من بوابة العراق لتتبعها بوابة دمشق، ورغم كل أسطولها وتعداد جنودها وإمكانياتها لم تتمكن خلال العقدين الماضيين من إحراز أيّ تقدّم في هاتين الدولتين على صعيد المطامع التي تسعى إليها، ففي العراق التي دخلتها غازية تحت ستار "نشر الديمقراطية" خرجت منها بسبب نشرها للإرهاب وعجزها عن مواجهته، وتحت ذريعة مواجهة الإرهاب دخلت سوريا، وحتى اللحظة ما زالت تراوح مكانها في هذين البلدين.
خلال هذا المشهد الدراماتيكي برز اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة كقوة لا يستهان بها في ظل وجود لحمة داخلية ودعم شعبي يمكّن إيران من تقديم نفسها كقوة إقليمية فاعلة كانت غايتها حماية حدودها والدفاع عن مواطنيها ضد أي خطر محتمل، لكونها تقع جغرافياً بمنطقة تعجّ بالفوضى، وعلى هذا الأساس دعتها حكومتا دمشق وبغداد للمساهمة في القضاء على ظاهرة الإرهاب لكونها قضية مصيرية لجميع دول المنطقة، ومن منطلق حرصها على شعبها ومستقبله لبّت إيران الدعوة.
فيلق القدس واللواء سليماني
لم يتوانَ اللواء سليماني عن تلبية النداء للدفاع عن بلاده وحدودها، ودفعه واجبه الوطني للدفاع أيضاً عن الأمة الإسلامية جمعاء عبر دحر الإرهاب في كل من بغداد والشام، وهذا ما حصل فعلاً وهذا ما عجزت عن تحقيقه واشنطن بكل عتادها وجنرالاتها وجيشها، فكيف سيكون موقف أمريكا من هذا الفيلق وقائده؟!
قبل أيام ووفقاً لمؤسسة هيريتيج الأمريكية المعروفة بانتمائها للتيار المحافظ المتشدد أطلق الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، تصريحات صحفية جديدة تتعلق بإيران بعد سريان العقوبات الأمريكية ضدها.
وجاءت تصريحات فوتيل التي نقلتها "مؤسسة هيريتيج" خلال لقاء في البنتاغون، وكان بعضها متعلقاً بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والذي وصفه الجنرال بأنه "ذو طبيعة عدائية"، مضيفاً "أينما نرى نشاطات إيرانية نرى قاسم سليماني، سواء في سوريا أم العراق أم اليمن، هو هناك، وفيلق القدس الذي يقوده هو التهديد الأساسي وراء نشاطات زعزعة الاستقرار".
وأضاف الجنرال الأمريكي "إن هذا النشاط المدمّر والمزعزع للاستقرار يهدّد أمن واستقرار المنطقة وليس فقط مصلحة الشعب الإيراني".
السؤال الأول: ماذا قدمت واشنطن لسوريا والعراق بعد مرور 15 عاماً على غزو الأخيرة تحت بند نشر الديمقراطية، أفضل مما قدمه اللواء سليماني، لو أن أمريكا تمكّنت من إرساء قواعد الاستقرار والأمن في العراق عبر السنوات الماضية لما كانت الحكومة العراقية دعت إيران للتدخل وإنقاذ العراق من فوضى الإرهاب ولما كان فيلق القدس وغيره قد ذهب إلى هناك.
كان من المفروض أن تقدّم واشنطن الشكر والثناء لطهران على مساهمتها في دحر تنظيم "داعش" الإرهابي من المنطقة وليس معاقبتها كما يجري الآن ومعاقبة شعبها اقتصادياً، الفوضى التي تبحث عنها واشنطن لن يكون أمام إيران وغيرها من دول المنطقة سوى إيقافها حتى لو كلّف الأمر أكثر مما كلف.
وإذا لم يكن هناك جهد إيراني لتعبئة القوى الشعبية ضد هذه الجماعات الارهابية، كنا سنشهد تشكيل دولة إرهابية في منطقة شاسعة من الشرق الأوسط برئاسة أبو بكر البغدادي، والتي هددت أيضاً دولاً أخرى في المنطقة وهددت أوروبا وبقية العالم، إن نشر خرائط داعش للسيطرة على العالم والتوسع في الخلافة في بغداد يتناول بالكامل نوايا هذه المجموعة الإرهابية.
فيلق القدس وبشهادة أبناء العراق وسوريا ووفقاً للنتائج التي لا يمكن لأحد أن يغمض عينيه عنها، تمكّن من المساهمة إلى حد كبير في دحر الإرهاب وإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط دون أي جعجعة إعلامية واستعراض عضلات لم يخدم المنطقة بأي شيء.
وبدعم فيلق القدس تمكّنت القوات العسكرية لكل من العراق وسوريا من مواجهة أزمات الإرهاب والتشظي والتفكك الذي هدد بلادهم، واستقلالهم دون الاعتماد على القوات العسكرية الدولية، والتحالفات التي لم تحقق أي نتيجة تذكر سوى مصّ دماء الدول الخليجية تحت ذريعة مواجهة الإرهاب لنجد تقارير بعد ذلك تفيد بأن الدول التي تموّل الحرب على الإرهاب والدول التي تدّعي محاربته ضليعة في دعم تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، نتحدث عن السعودية وأمريكا والتقارير حول هذا الموضوع لم يجفّ حبرها بعد.
أمريكا بعد أن عجزت عن تقديم واحد بالمئة ما قدمته طهران في معركتها ضد الإرهاب، تحاول اليوم معاقبتها من خلال الضغط على شعبها وتحريضهم ضد حكومتهم، ومشكلة الأمريكيين أنهم ينظرون إلى الشرق الأوسط كمشكلة لا بدّ من حلّها وليس كمنطقة لا بدّ من فهم أحوالها وطبيعتها، لذلك وجود فيلق مثل فيلق القدس هو مشكلة بالنسبة لهم، وهم يريدون جنرالات منتفخة الكروش تقبض بالدولار وهذا الكلام لم ينفع مع اللواء سليماني الذي لا يقبل سوى التومان الإيراني.