الوقت- تُقبل تركيا بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة على العديد من المتغيرات على الصعد المختلفة، حيث أن تراجع حزب العدالة والتنمية وفشله في حصد نسبة الأصوات التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً كما في السنوات الـ 13 الماضية، سيضطره في أحسن الظروف إلى التحالف مع أحد الأحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية، الأمر الذي من شأنه تعديل سياسات حزب العدالة والتنمية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، كما سيضع حداً لتدخلات الرئيس رجب طيب أردوغان في الحكومة والأجهزة التنفيذية للدولة، والاكتفاء بالمنصب الشرفي الذي ينص عليه الدستور التركي للرئيس.
ولا شك بأن السياسة الخارجية التركية التي شهدت في السنوات القليلة الماضية انخراطاً واسعاً في الملفات الاقليمية، عبر مساعي حزب العدالة والتنمية للعب دور المنظر والوصي على ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، لن تكون بمعزل عن هذه المتغيرات، خاصة وأن ما وعد به حزب العدالة والتنمية في دول "الربيع العربي"، ظهر عكسه، فلم تظهر الديمقراطية ولا الأمن ولا الاستقرار، في حين اتسعت رقعة ظاهرة الارهاب في المنطقة، وتراجعت العلاقات الخارجية لتركيا بمحيطها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد كلف خلال الأيام الماضية رئيس الوزراء داوود أوغلو لتشكيل حكومة جديدة، فيما أعلن أوغلو، أن المشاورات في أوساط حزب العدالة والتنمية أظهرت احتمال تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية.
وحول مدى تأثير تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحد الأحزاب المعارضة على السياسة الخارجية المستقبلية لتركيا، فهناك فرضيتان:
الأولى؛ أن يقوم حزب العدالة والتنمية بتسوية يتنازل بموجبها عن بعض الملفات على الساحة المحلية، في مقابل أن يقوم الحزب الشريك في الحكومة بمسايرة سياسات تركيا الخارجية السابقة، إلا أن هذه الفرضية تبدو بعيدة عن الواقع، فالوضع الداخلي المتراجع نسبياً، من حيث ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى مفرزات القضية الكردية، ستضطر حزب العدالة والتنمية لوضع ثقله في الملفات الداخلية، من أجل تعزيز شعبيته المتراجعة والتي قامت بالأساس على الانجاز الاقتصادي والاستقرار السياسي، كما من الصعب القول إن الأحزاب المعارضة من الممكن أن تتراجع عن مبادئها في السياسة الخارجية التي نادت بها خلال حملتها الانتخابية.
أما الفرضية الثانية فهي أن يضطر حزب العدالة لتعديل سياساته الخارجية، للالتقاء حول أرضية مشتركة مع أحزاب المعارضة، التي تختلف بشكل كبير مع سياسة حزب العدالة والتنمية، خاصة فيما يتعلق بالشأن السوري، ودعم الجماعات المسلحة، والعلاقة مع الجوار. إلا أن هذا التغيير بالطبع لن يكون سريعاً وجذرياً، وسيستغرق بعض الوقت للاتمام.
وفيما يلي نشير إلى بعض التغييرات المتوقعة في السياسة الخارجية التركية للحكومة الائتلافية القادمة:
1- مما لاشك فيه أن أولى الملفات الخارجية التي ستشهد تغييراً في السياسة التركية، ستكون الموقف من القضية السورية، حيث من المتوقع أن يتحول الدور التركي في ظل الحكومة التركية المرتقبة إلى أمني- سياسي، بدلا من أمني- عسكري، وستبدو فرص أي تدخل عسكري تركي أو محاولات انشاء منطقة عازلة ضعيفة نسبياً، ومن المتوقع تقييد حركة الجماعات المسلحة ورعاتهم على الأراضي التركية والاتجاه نحو خطى ملموسة لحل قضية اللاجئين السوريين الذين بدؤوا يشكلون عبئاً على الدولة التركية.
2- اتخاذ موقف أكثر صرامة من تنظيم داعش الارهابي، حيث ستسعى الحكومة الائتلافية القادمة، لتبرئة نفسها من تهمة تقديم الدعم للتنظيم الارهابي، عبر تعزيز سبل التعاون مع الائتلاف الدولي المناهض لداعش، والمشاركة فيه، وبالطبع بدأت بوادر هذا الامر تظهر للعيان، من خلال العملية واسعة النطاق التي قامت بها الشرطة التركية وأدت إلى اعتقال 21 متهماً على علاقة بداعش.
3- تعديل الطموحات العثمانية، حيث ستنحى الحكومة الائتلافية المرتقبة منحىً مغايراً، بعيداً عن خطاب العثمانيين الجدد، وطموحات استعادة أمجادهم في حكم المنطقة، واستبدال الخطاب العثماني التوسعي بخطاب ثقافي سياسي شرق أوسطي، قائم على الاحترام المتبادل، الأمر الذي سيعني دوراً ايجابياً لتركيا في مجال الأمن الاقليمي.
4- التوجه مجدداً نحو الاتحاد الأوروبي، حيث لم تتوقف مساعي حزب العدالة والتنمية وسائر الحكومات المتعاقبة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، إلا أن السنوات الماضية شهدت تراجعاً في اللغة الدبلوماسية بين الطرفين على وقع اتهامات متبادلة، لكن من المرتقب أن تقوم الحكومة الائتلافية القادمة باتخاذ خطوات من شأنها تفعيل وتسريع استراتيجية الانضمام للاتحاد الأوروبي.