الوقت- توقعت السعودية والإمارات أن الحرب على اليمن ستكون سهلة وسريعة ولن تواجه مقاومة تذكر، وعلى عكس توقعات السلطات السعودية وتصوراتها تواجه القوات العسكرية للرياض وأبو ظبي في الوقت الراهن صعوبات أكبر وعقبات أكثر في اليمن حيث تُمنى بالكثير من الهزائم القاسية.
لقد كان كل من المسؤولين الإماراتيين والسعوديين خلال الأشهر الأخيرة على قناعة تامة أن بإمكانهم من خلال الدعم العسكري المباشر من فرنسا وأمريكا الحصول على الورقة الرابحة لتغيير ظروف الحرب، وذلك عن طريق احتلال ميناء الحديدة بهدف توفير الشروط المسبقة اللازمة لإنهاء الحرب اليمنية بشكل يحفظ ماء وجههم وسمعتهم، لكن مجريات ووقائع الحديدة الأخيرة جعلت من تفاؤلهم المبالغ حول قدرتهم على تغيير معادلة الحرب اليمنية حبراً على ورق، وما يثير الدهشة أنهم لم يكتفوا بهزيمة قاسية فحسب بل أيضاً أصبحوا على الصعيد السياسي والدولي في مكان أكثر صعوبة مرة أخرى لأن المكانة الجغرافية والاقتصادية لميناء الحديدة جعلت من تنفيذ العمليات العسكرية قضية إقليمية مهمة وقد ظهرت القدرات الدفاعية والقوة الرادعة للشعب اليمني بأفضل شكل ممكن.
وتجدر الإشارة إلى أن ميناء الحديدة يتمتع بموقع استراتيجي مهم، وفي الواقع تعتبر الحديدة عنق الزجاجة للشعب اليمني، والتي من خلالها يمكنهم كسر حصار السعودية الشامل ضدهم بشكل جزئي، وهذا يعني أن العديد من التبرعات الإنسانية من جميع أنحاء العالم تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تصل إلى شعب اليمن من خلال ميناء الحديدة، وبالتالي فإن السعودية وبعدم سيطرتها على الميناء لن تمنع اليمنين من الحصول على المساعدات الإنسانية.
وعلى هذا الأساس من الواضح أن الحديدة تعتبر مصدراً لتنفس الشعب اليمني المحاصر الأمر الذي أثار غضب السعوديين وحلفائهم، وهذا هو السبب في أن السعودية والإمارات بدأتا معاً هجماتهما الكثيفة على الحديدة لخنق هذا المتنفس وهذا المعبر، وخلال محاولات القوات المسلحة السعودية والإماراتية، وكذلك الوحدات العسكرية الفرنسية والأمريكية للسيطرة على الحديدة تعرضوا للعديد من الإخفاقات ليس فقط على الساحة العسكرية بل في المجال البحري ومجال المعارك الصاروخية القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى.
ومن إحدى العلامات الواضحة التي تدل على تعثر الإمارات والسعودية في عمق هذا المستنقع الذي دام لـ3 سنوات، هي لجوؤهم إلى الأمم المتحدة في هذا المجال لتلعب الأخيرة دور الوساطة من الواضح خلال السنوات الثلاث الماضية، أن الأمم المتحدة وأمينها العام، وكذلك مبعوثها الخاص لم يلعبوا أي دور في اليمن على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وفي الحقيقة إن السلطات السعودية وكذلك السلطات الغربية تطمح لاحتلال ميناء الحديدة عن طريق الأمم المتحدة.
وكانت الأمم المتحدة تسعى إلى إنهاء سيطرة حركة أنصار الله واللجان الشعبية في اليمن على ميناء الحديدة وذلك تحت عنوان إشراف الأمم المتحدة على الميناء، وأن يتم تسليمه كخطوة عملية إلى القوات الدولية ثم إلى السعودية والإمارات.
وبالطبع، هذا الموضوع هو جزء واحد فقط من أنشطة الأمم المتحدة في مجال التعاون مع الرياض وأبو ظبي حيث كان الجزء الآخر من هذه الجهود تشديد الحصار على اليمن من خلال الرقابة على ميناء الحديدة، وهو حصار دام ثلاث سنوات، ومن خلال هذا الإجراء يتم توفير المقدمات المسبقة الضرورية لكسب الامتيازات من الشعب اليمني وتنفيذ سلسلة من الخطط السياسية والعسكرية.
في الوقت الحالي وبالنظر إلى الوضع الراهن والمعادلات التي تحكم المشهد يمكن القول إن السعودية والإمارات ليس لديهما طريقة أخرى للهروب من المأزق الحالي، وبالنظر إلى التماسك والانسجام الداخلي لليمن بالإضافة إلى القدرات العسكرية والسياسية لحركة أنصار الله سوف يخضعون لمطالب الشعب اليمني على الأقل في المرحلة الأولى، لكن بالطبع يحاول الغرب بكامل مساعيه ومن خلال فرض أنواع الضغوطات على حلفاء أنصار الله في المنطقة، وكذلك لتمكين الدول الرجعية العربية من منع تحقيق النصر النهائي للشعب اليمني.
وكذلك في الحرب اليمنية على الرغم من ميثاق الأمم المتحدة القاضي بتقديم مساعدات لأي بلد مُحتل، وعلى عكس المعاهدات الدولية الأخرى التي تدين العدوان فإن الحكومات الأوروبية لم تمتنع فقط عن عدم بيع جميع أنواع الأسلحة المتطورة إلى السعودية، بل أيضاً بادرت في هذا المجال ببيع كميات كبيرة وملحوظة من الأسلحة المتقدمة إلى السعودية أكثر من أي وقت مضى.
في حين أن السعودية هي المتهم الرئيسي حسب رأي الخبراء القانونيين والدوليين في مجالات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب الكبرى، وبالطبع في مثل هذه الظروف من الضروري أن تشارك حكومات إقليمية أخرى في مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف حول هذه القضية.