الوقت-إن الاستراتيجية التدخلية والأحادية الجانب التي تتبعها أمريكا في جميع مقارباتها لمشكلات المنطقة، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، قللت من دور وفعالية مجلس الأمن في حلّ النزاعات والصراعات الدولية، حيث قامت بغزو أفغانستان في عام 2001، يليه غزو العراق عام 2003، وانسحبت من معاهدة باريس للمناخ، واعترفت بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وقامت بالتدخل في الشأن السوري والعراقي بتوجيه ضربات متكررة دون التنسيق مع النظامين، وانسحبت من الاتفاق النووي الإيراني، وكل الذي تم ذكره وأكثر يظهر بشكل علني في السياسة الأحادية الجانب من أمريكا، وعدم مراعاتها للقوانين الدولية وخاصة المادتين 41 و42 من قانون الأمم المتحدة اللتين تنصان على حلّ النزعات بالحوار والطرق السلمية.
الإجراءات الأحادية من أمريكا في الملف العراقي
فشل النظام الأمني الدولي في 12 سبتمبر 2002 عندما قال جورج دبليو بوش: "إننا نعمل مع مجلس الأمن على قرارات لا غنى عنها بشأن نزع أسلحة العراق في الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وحذّر من أنه إذا لم تتعاون الأمم المتحدة، "نحن سنتصرف بمفردنا"، وبعدها بشهر وافق الكونغرس الأمريكي وأعطى بوش سلطة استخدام القوة العسكرية ضد العراق دون تفويض من الأمم المتحدة، كانت رسالة أمريكا واضحة، وكما قال أحد كبار المسؤولين في إدارة ترامب "نحن لسنا بحاجة إلى مجلس أمن"، وادعت واشنطن أن العراق لم يتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة ولم يفِ بالتزاماته تجاه قرارات الأمم المتحدة الـ 17، حيث زعمت واشنطن أن قرار الأمم المتحدة 1441 دعا إلى نزع سلاح العراق من جانب واحد، وعلى الرغم من مرور أشهر منذ إقرار هذا القرار، إلا أن العراق لم يتخلَ عن أسلحة الدمار الشامل، وكان الغزو الأمريكي للعراق، بالتعاون مع حلفائه، يقوم على استراتيجية التحالف، وذلك من أجل تبرير شرعية ومقبولية أفعالها الأحادية.
في 14 فبراير 2003، ذكر مفتشو الأمم المتحدة أنه بعد 11 أسبوعاً من التحقيق، لم يجدوا أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل في بغداد، وبعد عشرة أيام، وفي 24 فبراير، أصدرت أمريكا وبريطانيا وإسبانيا قراراً يفيد بأن العراق لم يمتثل لالتزاماته بموجب قرار الأمم المتحدة الأخير (القرار 1441) ويجب التعامل معه وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. على الطرف المقابل طالبت فرنسا وألمانيا وروسيا منح العراق المزيد من الوقت، إلا أنه في 28 شباط / فبراير، أعلن البيت الأبيض أن الهدف الأمريكي من الغزو لم يكن نزع سلاح العراق فحسب، بل تغيير النظام البعثي الذي لا يراعي القيم الإنسانية في العراق، وهكذا، في 20 مارس 2003، غزت أمريكا العراق من دون إذن مجلس الأمن.
معاهدة باريس والاعتراف بالقدس
في عام 2015، تمّ توقيع اتفاقية حول تغير المناخ من قبل 195 دولة في باريس، ورفضت دولتان توقيع الاتفاقية هما نيكاراغوا وسوريا، كما ووقع باراك أوباما على المعاهدة نيابة عن أمريكا، ثم تم التصديق على المعاهدة من قبل الأغلبية المطلقة لمجلس الشيوخ الأمريكي، والتي أكدت التزام واشنطن بالمعاهدة لمدة 25 عاماً، إلا أنه في 1 يونيو 2017 وبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعلن انسحاب أمريكا من هذه الاتفاقية، حيث رآها غير عادلة، ووفقاً للمادة 28 من المعاهدة، فإنها تؤذي الاقتصاد الأمريكي وتحدّ منه، وتعطي الفرصة لبلدان أكثر تلوثاً مثل الصين لأكثر من عشر سنوات، وأدى الإجراء الأحادي الجانب الذي اتخذته أمريكا للانسحاب من اتفاق وقعته 196 دولة في العالم إلى تأثير سلبي كبير على المجتمع الدولي، وبالنظر إلى مبررات الانسحاب من المعاهدة، من الواضح أن مصالح المجتمع الدولي ليست مهمة بالنسبة لأمريكا، فهي تريد استمرار استخدام الوقود الصخري (الذي يؤدي إلى ارتفاع الاحتباس الحراري).
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته الانتخابية أنه ينوي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ونفذ وعده في 14 مايو الماضي، وخلافاً لقرار مجلس الأمن رقم 2334، والذي يؤكد أنه "لا تغيير في الحدود، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، ولن يتم الاعتراف بها ما لم يتفق الطرفان على المفاوضات "، ومع ذلك، في 14 مايو الماضي نقلت واشنطن رسمياً سفارتها من تل أبيب إلى القدس، واعترفت بها عاصمة للكيان الإسرائيلي.
الهجوم على سوريا والخروج من الاتفاق النووي
في 13 مارس 2018، حذّرت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، أعضاء مجلس الأمن من أن واشنطن "مستعدة لاتخاذ إجراء إذا لزم الأمر في سوريا"، وفي 14 أبريل 2017 شنّت أمريكا بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا هجوماً أحادياً على سوريا، واستند هذا التحرك إلى ادعاء أمريكا بأن الحكومة السورية استخدمت السلاح الكيميائي في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، ولقد كان العدوان الأمريكي في على سوريا دون تفويض من مجلس الأمن انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الذي ينص على احترام سيادة الدول.
يعدّ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمسة الدائمة العضوية في الأمم المتحدة في يوليو 2013، واحداً من أهم الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في العقد الجديد، ومنذ أن تم الاتفاق، بذلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة كل جهدها لحرمان إيران من الاستفادة من فوائد الاتفاق، إلا أنه في أيار مايو الماضي أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي معطياً فرصة 3 أشهر للدول الأوروبية للخروج من الاتفاق قبل فرض عقوبات جديدة على طهران، ويعد خروج أمريكا من الاتفاقية الدولية التي وقعها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن تعارضاً مع ميثاق الأمم المتحدة.
وفقاً لما ذكر أعلاه، فإن القرارات الأحادية لأمريكا بشأن القضايا الدولية تشكّل تحدياً رئيسياً لدور مجلس الأمن الرئيسي في إرساء السلام والأمن العالميين، كما أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تحمل نمطاً إمبريالياً بالكامل، وللأسف، يخشى أنه إذا استمرت في اعتماد هذه الإجراءات، فإن ذلك سيدفع الدول الأخرى إلى اعتماد نفس الاستراتيجية والتي سيكون نتيجتها ازدياد عدم الاستقرار في المجتمع الدولي، وسيفقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فعاليته.