الوقت- ألقى المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، يوم أمس الاثنين، كلمة بمناسبة الذكرى الـ29 لرحيل الإمام الخميني، تطرّق فيها إلى أبرز مجريات الأحداث في المنطقة، والتي يعدّ الملف النووي أكثرها إثارة للجدل، لما له من تداعيات على إيران والشرق الأوسط والعالم الغربي وحسم موقف بلاده في هذه المسألة الحساسة، كما وجه كلمة إلى الشباب العرب محملاً إياهم مسؤولية بناء المستقبل بسواعدهم وعلمهم، مانحاً إياهم الثقة الكاملة في هذا الخصوص.
خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عقّد العلاقة بين الغرب وإيران وبين الغرب وأمريكا، ومن إيجابيات ذلك أنه أثبت للمرة الألف صدق السيد خامنئي فيما يخصّ رأيه بالأمريكي، ما جعل الشعب الإيراني يلتفّ حول قيادته أكثر من أي وقت مضى، لأن واشنطن بخروجها من الاتفاق النووي لم تعاقب النظام الإيراني بل عاقبت الشعب الإيراني بمجمله وهذا سيكون له وقع كبير في الشارع الإيراني، الذي أثبت أنه قادر على الخروج من أي أزمة تعصف به أقوى من السابق، وأسباب ذلك يمكننا أن نستقرئها من كلام السيد خامنئي في يوم أمس ونلخصها بالتالي:
أولاً: تحدث الخامنئي عن قوة الردع الكبيرة التي تملكها إيران على المستوى العسكري والتي يريد ترامب أن يلتف عليها ليسحبها من الإيرانيين لكي يتحولوا إلى أمة فاشلة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، وفي هذا الإطار قال المرشد الإيراني إن إيران باتت القوة الصاروخية الأولى في المنطقة، معتبراً أن التطوّر على المستوى النووي يشكّل فخراً للعلم في إيران، وأضاف إن "العدو سيتلقّى عشرة صواريخ عن كل صاروخ يستهدف به إيران".
وقوة الردع هذه جعلت العدو يتخبط، فالجميع اليوم يرى في إيران قوة إقليمية لا يستهان بها ولا يمكن تجاوزها، والغرب يدرك ذلك جيداً، لذلك نجده يحاول الإبقاء على الاتفاق النووي قدر المستطاع لأنه يعلم جيداً ضريبة الخروج منه، وأوضح آية الله الخامنئي تخبط العدو بقوله: "إن ما يقوم به العدو ضد إيران لا يدلّ على مقدرته بل على تخبّطه وغضبه وقلقه بسبب التطور والمقاومة التي يتميز بها الشعب الإيراني".
ثانياً: العلم، تمكّن الإيرانيون من خلال العلم أن يكسروا أكبر حصار اقتصادي شهده التاريخ على مدار العقود الأربعة الماضية، فقد تمكّن هذا الشعب بالرغم من كل العقوبات والحصار من أن يرسم مساراً تصاعدياً لنفسه في سلّم العلم والمعرفة وأن يحجز لنفسه مكاناً في هذا العالم لا يستطيع أحد أن ينكره أو يتجاوزه، وكان الوصول إلى الطاقة النووية في إيران، ثورة علمية جديدة شهدتها إيران غيّرت من صورتها ومنحتها حصانة كبيرة، واليوم يريد الأمريكي أن يرفع عنها هذه الحصانة، لكن الخامنئي أوصل إليهم رسالة قوية يوم أمس وأمر باتخاذ الترتيبات والمقدمات اللازمة بسرعة للوصول إلى 190 ألف سو (وحدة فصل) في تخصيب اليورانيوم، في إطار الاتفاق النووي بدءاً من يوم الثلاثاء.
وتحدّث قائلاً "الشعب الإيراني لن يقبل أن تُفرض عليه عقوبات ويُمنع من استخدام الطاقة النووية"، وبهذا تكون إيران دخلت مرحلة جديدة لم يعد بإمكان الأمريكي ولا غيره فرض شروط أو إملاءات على الأمة الإيرانية.
ثالثاً: نقطة الضعف التي يلعب عليها الأمريكيون تتمثل في محاولة شلّ الاقتصاد الإيراني، ولفت خامنئي يوم أمس إلى أن أعداء بلاده يحاولون الضغط اقتصادياً للسيطرة عليها، مؤكداً أن هذا الضغط لن يحقق أهدافه، وأشار إلى أن أهداف العدو هي السيطرة على إيران وبلدان المنطقة، وقال خامنئي إن هدف الأعداء من العقوبات الاقتصادية هو الضغط على الشعب الإيراني حتى يستسلم النظام الإسلامي.
لكن ما يجعل الخامنئي يذهب باتجاه تحدي واشنطن وأتباعها، هو نقاط القوة التي تمتلكها إيران في العديد من الملفات الإقليمية والداخلية، والتي أساسها الشعب وحكمة القيادة في إدارتها للأزمات، والقدرة على إدارة اقتصاد البلاد بأسلوب مقاوم أثبت فعاليته لعقود طويلة فكيف الآن.
رابعاً: أكد المرشد الإيراني أن بلاده تقف إلى جانب المظلومين في فلسطين وتدعم دول محور المقاومة مثل سوريا، ورأى أن المشاركة الشعبية في يوم القدس العالمي يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ستكون أكثر حضوراً.
وفي جانب من كلمته، وجّه قائد الثورة خطابه إلى الشباب العربي، قائلاً: إن شعوبكم اليوم تعقد الأمل عليكم فأعدّوا أنفسكم ليوم تنعم فيه بلادكم بالحرية والاستقلال، وأضاف: "إن عدم اتخاذ موقف حازم وحاسم من الكيان الصهيوني وهذه المواقف العدائية من الإخوة، والتزلف للأعداء كل ذلك جعل من بعض الحكومات العربية عدوّة لشعوبها، وأنتم أيها الشباب تتحملون مسؤولية إلغاء هذه المعادلة الباطلة، وأدعوكم أن تكونوا مفعمين بالأمل والابتكار والعمل وبناء شخصياتكم، فالمستقبل يكون لكم إن كنتم أنتم من يبنيه، وثقوا بالله عز وجل ولا تهابوا تكاثر الأعداء عليكم، فالذين كفروا هم المكيدون".
وبهذا يكون قائد الثورة أحدث صدمة مضادة لكل من يريد إضعاف إيران وحصارها وتحويلها إلى دولة فاشلة، واضعاً النقاط على الحروف، ويمكن تسمية خطابه يوم أمس "خطاب الفصل" لأنه تمكّن من خلاله أن يفصل بين ما هو ضبابي وغير واضح ومفهوم وتحويله إلى موقف ثابت وقوي يحمل نوعاً من التحدي والصمود والمقاومة إلى ما لا نهاية.