الوقت- شكّل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في الآونة الأخيرة حدثاً مهماً على الساحة الإقليمية والعالمية، فعلى الرغم من تعبير الدول الإسلامية وحتى الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة عن معارضتهم الصريحة لقرار دونالد ترامب، إلا أنه بعد تاريخ 14 مايو 2018، يوم نقل السفارة إلى القدس الشريف، ازداد هذا السخط الإسلامي العالمي وبلغ مستويات أوسع، وعلى هذا الأساس اجتمع زعماء الدول الإسلامية في 18 أيار / مايو في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في اسطنبول لإعلان معارضة القرار الأمريكي غير الشرعي والمزعزع للاستقرار واتفقوا على اتخاذ سبل عديدة لمواجهته بقرارات مشتركة.
هذا الاجتماع عقد في ظروف قاسية جداً، حيث أتى في أعقاب الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي بحق المتظاهرين السلميين في قطاع غزة والضفة الغربية حيث تشير آخر المعطيات إلى استشهاد 62 شهيداً وجرح أكثر من 3.188 مواطناً، والحقيقة المرّة هي أن القدس ليست إلا رشوة سهلة على ما يبدو يقدّمها ابن سلمان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سعيه لمشاريعه المتدحرجة حتى وصلت لبيع القدس، وما يزيد الأمر قساوة ما صرّح به الأمير خلال اجتماعه مع قيادات صهيونية في نيويورك قائلاً "على الفلسطينيين أن يقبلوا المفاوضات أو ليصمتوا". ناهيك عن عشرات مواقف التطبيع المحموم التي تكشف زيف الأنظمة بشجبها لما أقدم عليه ترامب، وكأنها خطة منمّقة للتماهي مع ما يجري.
وبالنظر إلى هذه الاعتبارات، أتى عقد قمة منظمة التعاون الإسلامي في سياق يتطلّع فيه المواطنون الفلسطينيون إلى الدعم الدولي، خاصة من البلدان والحكومات الإسلامية، وطالبت الدول المشاركة في القمة الإسلامية الاستثنائية السابعة، تلبية لطلب الرئيس التركي في 30 مادة من بيانها الختامي إدانة استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي و"اللاإنساني" و "غير القانوني" ضد الشعب الفلسطيني والافتتاح غير القانوني للسفارة الأمريكية في القدس، ويعتقد الكثيرون أن القرار الأمريكي يمكن أن يكون بمثابة نقطة تحوّل في عمل منظمة التعاون الإسلامي (باعتبارها أكبر وأهم منظمة دولية)، فبعد عقود من الاضمحلال والجمود في عملها وقراراتها يمكن أن تقوم لأول مرة باتخاذ قرارات وإجراءات فعّالة لمنع المزيد من الانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطينية، وذلك لأن إنشاء هذه المنظمة، والتي تضم في عضويتها سبعاً وخمسين دولة موزّعة على أربع قارات، أتى بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عُقدت في الرباط بالمملكة المغربية في 25 من سبتمبر 1969 رداً على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة، لكن هذا يتطلب إجراءات إضافية يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور:
1- يجب الدفاع عن حقوق الفلسطينيين على مستوى واسع: يجب على الدول الإسلامية، بغض النظر عن كل القضايا والخلافات الداخلية، أن تكون متحدة حول القضية الفلسطينية، وأن تشكّل تحالفاً كبيراً يقابل جرائم الكيان الصهيوني، ولا ينبغي اكتفاء هذه المنظمة بعقد القمم وإصدار البيانات، بل عليها الانتقال إلى العمل واتخاذ القضية الفلسطينية أساساً يجتمع حوله جميع المسلمين لمواجهة القرارات الأمريكية والصهيونية بحق فلسطين والقدس.
2- الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عملية: كما ذكرنا سابقاً يجب على هذه المنظمة عدم الاكتفاء بالشعارات والتصريحات المنددة بالوحشية الصهيونية، بل عليها الانتقال إلى العمل عبر القنوات الدبلوماسية والاقتصادية، بحيث يمكن اعتبار طرد السفير الإسرائيلي من قبل الحكومة التركية من أنقرة بمثابة إجراء مهم على بعض الدول العربية والإسلامية التي لديها علاقات مع الصهاينة الاقتداء به.
أيضاً، يجب أن تقدّم الدول الإسلامية الدعم الدبلوماسي والاقتصادي في شتى المجالات للفلسطينيين، وهذا يعني إيقاف جميع أنواع الاتصالات التي تجري من وراء الكواليس مع الكيان الصهيوني وأمريكا (التطبيع)، كما يمكنهم ممارسة الضغط على واشنطن في المؤسسات الدولية عبر تشكيل جبهة موحّدة داخل الأمم المتحدة لإدانة جرائم الكيان الإسرائيلي وحليفته أمريكا بحق الفلسطينيين.
من ناحية أخرى، يجب على الدول العربية عدم الاكتفاء بترديد الشعارات التي لا تستخدم إلا في الاستهلاك المحلي فقط، لأن القضية الفلسطينية تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الإرادة الحقيقية والصادقة للمسلمين، ونتيجة لذلك، فإن مقاطعة الواردات الأمريكية من السلع وتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن يمكن أن يكون تدبيراً فعّالاً في الإعلان عن عدم الرضا من نقل سفارة واشنطن إلى القدس وإدانة جرائم النظام الصهيوني.
3-استمرار تقديم الدعم للقضية الفلسطينية: قضية أخرى مهمة يجب على منظمة التعاون الإسلامي اتخاذها تجاه القضية الفلسطينية، وهي استمرار تقديم الدعم والحماية اللازمة لها وعدم التوقف عند قضية القدس.
ختاماً، إن ضياع القدس، لهو نذير لحدث جليل وأمر جدّ خطير، فآفة هذه الأمة وطامتها، كانت ومازالت في غياب الوعي، وبيع الوهم، وصناعة النفاق، وغياب الحريات، وتفشي الجهل، وتبعية قادتها للدول الغربية، والكيان الصهيوني، ولذلك فلا سبيل لأن تزاح الغمّة إلا بمخاض عسير وألم جلّ كبير، يعيد الوعي ويصوّب البوصلة من جديد نحو القدس والقضية الفلسطينية.