الوقت- "ما السبب لعدم إبداء ردود فعل حول هجوم الكيان الصهيوني على سوريا"، عبارة تكررت مراراً وتكراراً في الأيام والأسابيع الماضية مع تفسيرات وتحليلات مختلفة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فعندما استهدفت "إسرائيل" مساء الثلاثاء المناطق الجنوبية من دمشق مرة أخرى، ازداد حجم الانتقادات، وأعرب البعض عن قلقهم إزاء ازدياد وقاحة الصهاينة في ساحة المعركة.
وعلى الرغم من وجود قلق على استمرار الهجمات الصهيونية، إلا أن المعرفة المحدودة عن الحقائق الميدانية السورية جعلت البعض يتحمّسون ويسرعون في تصريحاتهم إلى الرأي العام بحيث ظُنَّ البعض أن جبهة المقاومة لا تملك أي مشروع للرّد على الاعتداءات الإسرائيلية، ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن الجيش السوري وحلفاءه، كانوا قد وضعوا خطة شاملة للرّد على الصهاينة، لكن وقت الرّد تأجّل إلى ما بعد نقل الإرهابيين بعيداً عن العاصمة لعدم تعريضها لمخاطر.
فبعدما عاد الهدوء إلى دمشق بعد سبع سنوات من الحرب مع الجماعات الإرهابية وكانت القوات السورية تسيطر بالكامل على الوضع في العاصمة، حان موعد العد التنازلي لتنفيذ برنامج خاص اُعدّ في غرفة العمليات المشتركة للجيش السوري وجبهة المقاومة، لأن الإرهابيين لم يكونوا موجودين بعد في دمشق، ووجد الآلاف من قوات الجيش حرية التحرك للرّد على أي عدوان أجنبي. وفي لحظات مبكّرة من يوم الخميس، عندما استهدف الصهاينة مرة أخرى القوات السورية في القنيطرة (بلدتي البعث وخان أرنبة)، ربما لم يكونوا يتوقّعون أنهم سيواجهون رداً حاسماً، لكن الاتجاه تغيّر 180 درجة وتم تنفيذ البرنامج الخاص للجيش السوري للرّد، لأن دمشق لم يعد هنالك ما يهددها داخلياً وكان الوقت قد حان للرد على التهديدات الخارجية.
وفي أول خطوة أطلقت وحدات الجيش السوري 53 صاروخاً على قواعد عسكرية وسرية وقواعد استخباراتية في الجولان المحتل، وهذا التصرف الحازم جعل الصهاينة يتفاجؤون، ومن الجانب الآخر هاجم الكيان الصهيوني سوريا من خلال ضربات شنتها سبع مقاتلات استهدفت محافظات دمشق والقنيطرة، فيما قام الصهاينة في المرحلة الثانية بزيادة عدد المقاتلات وهاجموا محافظة حمص بالإضافة إلى دمشق والقنيطرة. وفي المرحلة الثانية استهدفت وحدات الجيش السوري مواقع الكيان الصهيوني في هضبة الجولان المحتل بـ 12 صاروخاً تكتيكياً، وألحقت أضراراً كبيرة بقوات الجيش الصهيوني.
وبالتزامن مع المرحلة الثانية من الهجمات الصاروخية على الأراضي المحتلة، ارتفع عدد المقاتلات الإسرائيلية إلى 28 مقاتلة واستهدفت مرّة أخرى دمشق، حمص والقنيطرة، ووفقاً للمعلومات التي تم الحصول عليها، فإن 8 إلى 10 صواريخ صهيونية فقط استطاعت عبور مضادات القوات الجوية السورية حيث ضربت مخبأ للأسلحة وموقع دفاع جوي ولم تترك سوى أضرار محدودة، ويدّعي الصهاينة أن نظامهم الدفاعي المسمى بالقبة الحديدية، رصد ودمّر الصواريخ السورية، لكن الحقائق الميدانية والمعلومات التي تم الحصول عليها تشير إلى حكاية أخرى.
وفي الساعات الأولى من الاشتباكات، تم الإعلان فقط عن أسماء 10 قواعد استخبارات حساسة عسكرية واستخباراتية للكيان الصهيوني التي استُهدفت في جولان المحتل، ولكن بعد مرور يومين، وردت معلومات جديدة حول الضربات القاتلة التي تم توجيهها إلى الصهاينة والتي كشفت عن سبب تفاجئهم وسكوتهم الإخباري والإعلامي، كما أن منطقة "الشمال" في جولان المحتل هي أحد المراكز الاستراتيجية للكيان الصهيوني، وهي سلسلة من القواعد العسكرية والاستخباراتية الحساسة السرية التي لها دور خاص في التحليل الفوري للمعلومات.
ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن ردّ الجيش السوري القاسي وإطلاق عشرات الصواريخ على قاعدة بيانات "الشمال" السرية جداً في الجولان المحتل تسبب في إلحاق ضرر كبير بالكيان الصهيوني من حيث المعلومات الاستخبارية، معظم الصواريخ التي أطلقتها وحدات الجيش السوري أصابت أهدافاً مهمة في قاعدة المعلومات الاستراتيجية "شمال"، والتي لعبت دوراً مهماً في تحديد التفوق الفوري للمخابرات الصهيونية، وأثّرت أيضاً على القرارات العسكرية والأمنية.
وتعتبر القواعد المستهدفة، أكثر الوحدات الاستخباراتية العسكرية والتجسسية والرادارية سريةً في قاعدة "شمال" الاستراتيجية، والتي كان من المتوقع أن تقوم بجمع وتحليل المعلومات الميدانية للحدّ من التهديدات. ووفقاً لمصدر ميداني، فإن بعض هذه القواعد المهمة للمخابرات الصهيونية في الجولان المحتل بإمكانها أن تقوم بمراقبة الوضع الميداني، وتحركات القوات ومواقع الجيش (والإرهابيين) إلى عمق 85 كم من سوريا، وإرسالها في الوقت المناسب إلى الوحدات الميدانية أو الإرهابيين المدعومين من قبلهم.
إن القواعد الحساسة والسرية للاستخبارات الصهيونية لديها القدرة على تحليل كيفية نقل الطاقة والمعدات والمعلومات إلى القواعد في غرب سوريا والمناطق الحدودية مع لبنان. وتظهر التطورات الميدانية لليل الخميس أن الصهاينة لم يتصوروا أن يتم استهداف مراكزهم الحساسة في الجولان المحتل، وتوقعوا، كما حصل معهم قبل ثلاث سنوات ونصف أن يتم استهداف مواقعهم الحدودية من قبل قوات حزب الله، إن ردّ الجيش السوري القوي قد وجه ضربة قوية للصهاينة في منطقة "الشمال"، لأن أدواتهم التجسسية من المناطق الغربية من سوريا وجنوب لبنان تضررت بشدة، وبالطبع كانت رسالة واضحة لينهي الكيان الصهيوني مغامراته في سوريا.
كما أن انسحاب 30،000 إرهابي من محافظة دمشق والانتصارات الملحوظة لجبهة المقاومة في مناطق مختلفة من سوريا خلال العام الماضي قد أدّى إلى تصاعد غضب الصهاينة بعد دعمهم الكبير للجماعات الإرهابية لمدة سبع سنوات، وحاولوا من خلال شنّ الضربات الجوية الحدّ من الضربات المُهلكة التي تلقوها، لكن أوهامهم المتمثّلة بتغيير معادلة القوى وإخراج قوات جبهة المقاومة من سوريا اصطدم بطريق مسدود.
لقد أظهر الردّ الصارم من الجيش السوري أن عملية نقل القوات، والمعدات، وبناء قواعد مشتركة للمقاومة والقوات السورية ستستمر بشكل أقوى وأسرع من ذي قبل لإفشال المخاطر المحتملة، وهذه التهديدات والآثار لن يكون لها أي تأثير.