الوقت - الثورة الرقمية، هي اللفظ الذي يطلق على العصر الحالي، منذ ظهور الحاسبات وأجهزة الحاسوب وغيرها من تبعات التطور التقني الحديثة، وتشمل كل الأجهزة التي تتعامل بالطرق الرقمية.
دخلت هذه الثورة بشكل واسع في تطوير الكثير من جوانب الحياة ومنها الجانب الزراعي وقد بدا ذلك واضحاً بشكل خاص في العديد من الدول الإفريقية بينها نيجيريا في السنوات الأخيرة.
والمنافع التي يمكن أن نجنيها من الثورة الزراعية الرقمية ذات شقّين؛ الأول: أنها تساعد المزارعين على تقليل تكاليف الإنتاج والهدر عن طريق ترشيد الإنتاج، والثاني: تساعد على زيادة المحاصيل عن طريق تحسين الأساليب في اتخاذ القرارات بتوفير المزيد من البيانات الدقيقة.
والثورة الزراعية الرقمية تعتمد بشكل أساسي على توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة "التشغيل الآلي" لخدمة الزراعة، وتسخير التكنولوجيا البيولوجية والحيوية القائمة على الاستشعار وتحرير الجينات لخدمة الزراعة.
وتعتمد الثورة الزراعية في تطبيقاتها على إنشاء حاسوب خاص لكل مادة من المواد الزراعية التي يراد تطوير إنتاجها كمّاً ونوعاً إلى درجة التحكم بالنكهات المطلوبة لكل مادة زراعية، ونجحت البحوث التي أجريت في هذا المضمار حتى الآن في إنشاء حواسيب خاصة بالكثير من الأصناف، ومن أنجحها على المستوى العالمي حواسيب خاصة يمكن من خلالها توفير كميات المياه المستخدمة في الزراعة وتحديد الجينات الخاصة بكل نوع من المواد الزراعية لإنتاج مواد زراعية في فترات زمنية قصيرة جداً، مع الاحتفاظ بالخصائص الأساسية للمواد المزروعة دون تأثرها بالعوامل الخارجية بسرعة.
ومن خلال الاتصالات عن طريق الإنترنت يمكن نشر المستشعرات على الأرض أو في المياه أو في المركبات لجمع بيانات عن قضايا مهمة مثل رطوبة التربة وصحة المحاصيل.
تُخزّن هذه البيانات على مُلقِّم أو نظام تخزين لاسلكي، ومن خلال ذلك يستطيع المزارعون الدخول بسهولة عبر الإنترنت باستخدام الحواسيب اللوحية والهواتف المحمولة، كما يمكنهم التحكُّم يدوياً في الأجهزة المترابطة أو التشغيل التلقائي الكامل لأي إجراءات مطلوبة.
وبخلاف الزراعة التقليدية، التي تعتمد على تراكم تدريجي للخبرات البشرية المتوارثة عبر الأجيال، فإن "الفلّاح الرقمي" يعتمد على تقنيات متطورة في المعلوماتية، لتحديد الطرق المثلى في استخدام المياه والبذور والسماد والمبيدات، ويعتمد عليها في التعرف على تغيرات المناخ وخصائص التربة، كما تستخدم تقنية "الاستشعار من بُعد" لجمع معلومات عن التربة، مثل نسبة الطين والحجارة والأملاح والرطوبة والمعادن.
وهناك طائرات من دون طيار مجهزة بكاميرات فيديو مصغرة، قادرة على حساب كمية السماد المطلوبة لإنتاج زراعي على نطاق واسع، ويأمل الباحثون بأن تساعد عملية التطوير هذه في إنشاء نظام واحد كامل، يتيح زراعة محاصيل الحبوب، دون الحاجة لدخول الأراضي المزروعة.
كما ابتكر الباحثون جرّارات ذاتية القيادة، يمكن توجيهها من قبل المزارع عبر غرفة تحكم، من أجل تنفيذ عمليات الحفر والبذر والرش، ليقوم جهاز الحصاد الآلي، بجمع المحاصيل، ما يمكن أن يحدث ثورة في عالم الزراعة تسهم في الحد من الجهد والوقت الذي يبذله المزارعون. كما يعتقد المهندسون أن استخدام الجرّارات خفيفة الوزن، سيقلل من ضغط التربة مع تحسين نوعية الأرض.
وباتت التكنولوجيا الرقمية عوناً لمواجهة خطر المجاعة، وتحقيق الأمن الغذائي على المستوى العالمي، في وقت تشير إحصاءات المنظمات الدولية المتخصصة إلى أن العالم سيواجه تحديات خطيرة في عالم الغذاء، من اتساع وتيرة النمو السكاني وتقلص المساحات القابلة للزراعة، إلى تراجع الناس خصوصاً الشباب في هذا الوقت عن ممارسة مهنة الزراعة.
وتؤكد إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" أن 80 في المئة من دول العالم ستكون غير قادرة على تحقيق أمنها الغذائي بشكل كاف عام 2050 لأسباب النمو السكاني والعادات الغذائية لشعوب العالم وما يمثله تغير المناخ من تحديات خطيرة لإمدادات الغذاء في المستقبل.
شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لأساليب "الزراعة الرقمية" في الكثير من دول العالم وفي مختلف القارات كالصين واستراليا، غير أن التحديات التي تعترض طريق الثورة الزراعية الرقمية مازالت قائمة في المناطق الأقل نمواً، ولاسيّما المناطق النائية التي تفتقر عادة إلى البنية التحتية لشبكة الاتصالات.
والسؤال هو: كيف تؤدي التكنولوجيا دوراً في زيادة كفاءة القطاع الزراعي واستدامته؟ الجواب يكمن في "إنترنت الأشياء"؛ هذه التكنولوجيا التي ستحدث ثورة هائلة في عالم الزراعة والتسميد والحصاد. فالأجهزة الزراعية المؤتمتة بوسعها الآن جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالزراعة ونقلها بسرعة، ويشمل ذلك تحديد نسبة الضوء ورطوبة الطقس والحرارة ومستويات الرطوبة في التربة، وهذه الأشياء جميعها متصلة بنظام ري مؤتمت، ومن خلال تقنية "إنترنت الأشياء" الخاصة بمتابعة وتعقب الحيوانات، يمكن للمزارعين الحصول على المعلومات والإرشادات المتعلقة بمحاصيلهم وصحّة مواشيهم، ما يمكّنهم من اتخاذ قرارات سديدة حول كيفية استخدام مواردهم النباتية والحيوانية على الوجه الأمثل، ولن يسهم هذا التطور في زيادة الإنتاجية فحسب؛ بل سيقلل التكاليف التي يمكن هدرها على أنظمة الري العشوائي والمشكلات الصحيّة للماشية التي لا تخضع لنظام المتابعة والرصد.