الوقت- 9 أشهر مرّت على الأزمة في العلاقات بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى ولم يتغير شيء على الساحة القطرية.
في هذه الأزمة كان الخطاب الأمريكي يتسم بـ "التناقض"؛ ففي أول الأزمة التي بدأت في 23 مايو/أيار 2017 دعمت حكومة ترامب مواقف الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ومصر في قطع العلاقات مع قطر متهماً إياها بدعم الإرهابيين في الشرق الأوسط، وبعدها ببضعة أشهر وجّه ترامب دعوة رسمية لأمير قطر تميم بن حمد إلى واشنطن لحضور قمة مجلس التعاون ومصر في كامب ديفيد في مايو / أيار المقبل عارضاً نفسه للعب دور الوسيط لحل الأزمة. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن هناك تغيراً في سياسة البيت الأبيض تجاه قطر. وبحسب محللين خليجيين يعود التغير في السياسة الأمريكية إلى سببين رئيسيين هما: السياسة الاقتصادية الأمريكية وتوحيد الجهود العربية والأمريكية في مقابل توسع "النفوذ الإيراني".
في البداية لا يخفى على أحد أن الأهمية القطرية بالنسبة للسياسة الأمريكية والغربية تعود إلى ثروة البلاد في النفط والمال، وفي هذا السياق نشر موقع بلومبرغ في الأشهر القليلة الماضية مقالاً تناول فيه الأهمية القطرية على الساحة الاقتصادية الأمريكية قائلاً إن قطر تبني إمبراطورية عالمية، ففي الوقت الذي تعدّ فيه قطر أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الثروات، أسست البلاد جهاز الاستثمار عام 2005 للاستفادة المثلى من عائدات بيع الغاز المسال، والذي تعدّ قطر أكبر مصدريه حول العالم. ومنذ ذلك الحين، جمعت البلاد أصولاً تبلغ قيمتها 335 مليار دولار في مختلف دول العالم، ليحل صندوق الثروة السيادية للبلاد في المركز الـ 14 عالميّاً وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية.
وافتتحت وكالة الاستثمار القطرية مكتبها في نيويورك منذ عام 2015 وترغب في استثمار 35 مليار دولار في مختلف المجالات بحلول عام 2020. لكن بعد أزمة مجلس التعاون الخليجي، تعهدت قطر باستثمار 100 مليار دولار في أمريكا، منها 10 مليارات دولار في قطاع البنية التحتية (تم طرح ذلك مع تيلرسون في اجتماعه الأخير مع وزير الخارجية القطرية في الدوحة). وبالتالي، إن هذه السياسة السخية في الاستثمار القطري داخل أمريكا دفعت الأخيرة إلى تغيير سياستها تجاه الدوحة، حيث أشاد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بقطر واصفاً إياها بالـ "الصديق القوي لأمريكا"، وأثنى على جهودها والتزاماتها في مكافحة الإرهاب.
المال السعودي والتأثير على القرار الأمريكي..
إن الاقتصاد الأمريكي هو على رأس الأولويات بالنسبة لحكومة دونالد ترامب. وفي هذا السياق وعند سؤال ولي عهد السعودية محمد بن سلمان من قبل الصحافيين في القاهرة منذ أيام عن الأزمة القطرية أكد أن السعودية استثمرت 800 مليار دولار في أمريكا ما يعني بشكل غير مباشر أن هذه الأموال ستلعب دوراً كبيراً في التأثير على القرار الأمريكي فيما يخصّ المشكلة القطرية. ولذلك، يمكن ربط تصريحات ترامب ضد قطر برحلته إلى الرياض حيث كانت لإرضاء السعوديين وذلك بعد توقيع صفقة أسلحة بقيمة 460 مليار دولار أمريكي. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه في أعقاب الأزمة، تمكّنت واشنطن من بيع الأسلحة إلى هذه الدول، بما في ذلك صفقة بقيمة 1.1 مليار دولار في نوفمبر الماضي.
السياسة الأمريكية في مقابل توسع الدور الإيراني..
وتعدّ أحد الأسباب الأخرى التي لعبت دوراً مهماً في تغيير سياسة واشنطن تجاه الأزمة القطرية، الاختلافات في وجهات النظر بين ترامب وسلفه أوباما بشأن التطورات الإقليمية وتوسع الدور الإيراني في المنطقة بحيث أصبحت إيران القوة الأولى في المنطقة بفعل محاربتها للإرهاب في كل من العراق وسوريا بما في ذلك دورها الفعال في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي هناك. ونتيجة لذلك، يريد ترامب وفريقه الأمني والعسكري منذ اليوم الأول، على عكس أوباما تماماً، تقويض وتقليص التوسع الإيراني بشكل أكثر فعالية وعزل البلاد عن محيطها من أجل إخضاعها للشروط الأمريكية. ويظن صناع القرار في أمريكا أن هذا الأمر لن يتحقق بوجود خلافات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. يذكر أن مجلس التعاون الخليجي قد أُنشئ من أجل إيجاد تحالف قوي مقابل إيران إلا أنه مهدد اليوم بالانهيار وهذا أمر غير مرغوب فيه في أمريكا.
كما أن الحصار المفروض على قطر جاء بنتائج عكسية على سياسة ترامب تجاه إيران، بحيث استطاعت طهران أن تستفيد من الأزمة بين الدول الخليجية لتوسع علاقاتها مع قطر وتفتح قناة للتواصل مع الدوحة من أجل التخفيف من وطأة الحصار المفروض على قطر. ويرى قادة عسكريون أمريكيون أن ارتفاع التنسيق بين قطر وإيران يعدّ خسارة كبيرة أمام توسع الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، والذي يتعارض مع سياسة العزل التي تعتمدها أمريكا مع إيران في المنطقة. ولذلك، يمكن أن تعزا الجهود المبذولة لحل الأزمة القطرية إلى التحول في سياسة واشنطن بعد أن فشلت العقوبات على تغيير استراتيجية قطر الإقليمية.