الوقت- على الرغم من العلاقات التجارية الواسعة، لم تكن العلاقات الأمريكية الصينية يوما إلا متوترة متأزمة، وخلف ابتسامات وتغازل قيادات الدولتين، عالم من المنافسة والتوترات الخفية. وما قام به ترامب من إعلان حرب تجارية مع بقية الدول لم يكن إلا إشارة على أن حربا اقتصادية ملتهبة بين الصين والولايات المتحدة، على الرغم من هدوء الأوضاع عسكريا.
يرى ترامب أن الصين كانت تريد القيام بأعمال تجارية غير عادلة، كسحب الملكية الفكرية من الشركات الأمريكية إلى الشركاء الصينيين في المشاريع المشتركة، كشرط لدخول السوق الصينية. وجميعنا نذكر التهديدات الاقتصادية التي وجّهها ترامب نحو الصين أثناء حملته الانتخابية.
من جهتها ترد الصين على لسان وزير خارجيتها الذي رأى أن الحرب الباردة عفا عنها الزمن في عصرنا هذا، ناصحا الولايات المتحدة بوضع العقلية القديمة جانبا، وإلا ستتحمل كامل المسؤولية. فما الذي تستطيع الصين فعله أمام التهديدات الأمريكية؟ سؤال يطرح نفسه.
المعاملة بالمثل
من المسلم أن أول ما ستقوم به الصين هو المعاملة بالمثل، فحاجة الولايات المتحدة لبلد التنين، أكثر من حاجة التنين لها.
منذ عقدين من الزمن، كانت الأوضاع مختلفة عن يومنا هذا، فالصين لم تكن قد وصلت إلى هذا المستوى من التطور، ولطالما احتاجت أفكارا ومختصّين أمريكيين، لكن في الوقت الراهن، لم يعد لديها حاجة للولايات المتحدة، وإذا احتاجت أي تكنولوجيا يمكنها تحصيلها من غيرها (أي أمريكا) أيضا.
كذلك، لا تعول الصين على السوق الأمريكي كثيرا، فهي بلد يعتمد على الاستهلاك الداخلي أكثر منه على الصادرات، ولا تبلغ صادراتها إلى الولايات المتحدة سوى ثلاثة بالمئة من إنتاجها الداخلي.
في المقابل، لا يمكن تهميش السوق الصينية في القاموس الأمريكي، حيث بلغ على سبيل المثال عدد مشتري الهاتف الذكي آبل، حتى العام 2015، 131 مليون صيني، بينما كان عدد المشترين داخل السوق الأمريكية لا يتجاوز الـ110 مليونا.
أبل ليست سوى إحدى الشركات الأمريكية، شركة بوينغ لصناعة الطائرات والتي تشغل 150 ألف عامل أمريكي، تتوقع أيضا أن تبيع في السوق الصينية في العشرين سنة المقبلة حوالي 6810 طائرة، بمبلغ يقارب الواحد تريليون دولار.
تمثل الصين أيضا، أكبر مستورد للمحصولات الزراعية الأمريكية، وأرقام العام 2016 دليل واضح على ذلك، وهذا أبسط شيء يمكن للصين أن تضغط به. والكل يذكر ما فعلته في الأيام الأولى لأوباما حيث رفعت الرسوم الجمركية على إدخال السيارات والدجاج، ردا على رفع الولايات المتحدة رسوم إدخال إطارات السيارات.
الأيدي العاملة الرخيصة، صفعة للولايات المتحدة
ما يميز الصين أمام خصمها الأمريكي، أنها تمتلك أيدي عاملة رخيصة، بدخل شهري لا يتعدى الـ950 دولار، بينما يصل متوسط الدخل في الولايات المتحدة إلى الثلاثة آلاف دولار. والمهم في هذا المجال أن العامل الصيني بارع في تقليد المنتجات، وهي سياسة أتقنتها الصين في ثورتها الصناعية.
ولا يمكن للولايات المتحدة أن تجبر الصين على رفع أجور عمالها، وليس بمقدورها أن تخفض رواتب من يعملون على أراضيها، بالتالي لا تملك حلا سوى أن تستثمر داخل الأراضي الصينية، وهذه ورقة رابحة بأيدي القادة الصينيين.
نمو إقتصادي مستدام
حسبما أظهرت البيانات الرسمية أوائل العام الحالي فإن اقتصاد الصين نما بـ 6.9% العام 2017 متجاوزا ما طمحت له الحكومة، وذلك بفضل نمو التجارة الخارجية ومبيعات التجزئة. فقد نما أكبر اقتصاد في العالم خلال الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 6.8% بالمقارنة مع مستواه قبل عام متجاوزا بذلك كل التوقعات السابقة.
وكما أعلن المكتب الوطني للإحصاءات فإن الناتج المحلي الإجمالي نما في الربع الأخير من العام المنصرم بـ 1.6% مقارنة بالربع السابق، وبعد نمو بلغ 1.8% بين تموز وأيلول الماضيين. وزاد الإنتاج الصناعي بنسبة 6.2% على أساس سنوي في كانون الأول، في حين زادت مبيعات التجزئة 9.4% خلال الشهر ذاته. كما ارتفعت استثمارات الأصول الثابتة في الصين 7.2% في 2017.
في ظل هذا الرشد السريع، ليس بمقدور الولايات المتحدة إلا أن تضع بعض العراقيل أمام خصمها الصيني، الذي لا يأبه بها، وهي سياسة لم ولن تنجح وأثبتت فشلها في السنوات الماضية.
وعلى سبيل المقايسة، في العام 2015 وصل معدل النمو في الصين إلى 6.2 بالمئة بينما لم يتخطى 3.3 في الولايات المتحدة.
خفض سعر صرف اليوان مقابل الدولار
تشتهر الصين بسياسة خفض قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي، في خطوة منها لزيادة صادراتها إلى الخارج، وكذلك جذب الإستثمارات الأجنبية. ومن إيجابيات هذه السياسة أيضا، أنها تقف في وجه استيراد التجار في الداخل الصيني وتجبرهم على العمل بالمنتجات المحلية. بالتالي ترتفع نسبة الصادرات بشدة أمام الواردات، وهذا ما فعلته الصين في العامين 2012 و2015.
ولن يكون باستطاعة الولايات المتحدة مواجهة هذه السياسة الصينية، فهي غير قادرة على اللعب بقيمة الدولار العالمية، وتبقى أيديها مغلولة محتارة لا تدري مایجب فعله.