الوقت- أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن موقفه الاخير حول الأوضاع في افغانستان في اجتماع له مع ممثلين عن مجلس الامن الدولي يوم الاثنين الماضي، قائلا ان "الولايات المتحدة لن تشارك في أي محادثات مع طالبان في المستقبل"، مشيراً الى ان "الولايات المتحدة ستنجز ما يتعين عليها إنجازه في هذا الموضوع، وسنتمكن من فعل ما لم يستطع الآخرون القيام به".
وردت طالبان على تصريح ترامب بقولها إنها لم ترغب قط في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة ولكن عضوا كبيرا في طالبان قال إنه يعتقد أن جهودا ستبذل لبدء مفاوضات.
في حين قالت الحكومة المركزية في أفغانستان إنه لابد من التغلب على حركة طالبان في ساحة المعركة بعد أن رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة إجراء المحادثات.
تغير المواقف يعارض السلام
تصريحات ترامب الجديدة حول رفض التفاوض مع طالبان تشير بوضوح إلى التغيير في لهجة امريكا تجاه الحرب الأفغانية. ففي السابق ادعى المسؤولون الامريكيون بدعم محادثات السلام بين طرفي النزاع، الحكومة المركزية وطالبان، كما ولم يعلنوا باي شكل من الاشكال توقف المفاوضات مع طالبان رغم الهجمات من الطرفين على بعضهما، وهذا ما اتى في كلام وزير الخارجية الأمريكي الحالي ريكس تيليرسون في كانون الأول من العام الماضي أنه "بعد العمل العسكري، سيكون من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع حركة طالبان"، مؤكداً ان "الولايات المتحدة تدعم محادثات السلام بدون اي شروط مسبقة".
حتى نيكي هالي، سفيرة امريكا في مجلس الأمن، والمعروف بشخصيتها "المتعصبة" في حكومة ترامب، قالت في وقت سابق من هذا الشهر، وبعد عودتها من افغانستان، ان "السياسة الامريكية تجاه أفغانستان تتجه أكثر من أي وقت مضى للتفاوض مع طالبان وتحقيق عملية السلام هناك".
ومع ذلك، فإن دونالد ترامب، خلافا لمواقف وزير الخارجية وسفيرته في مجلس الامن، نفى المحادثات والسلام مع طالبان، وقال إنه لا جدوى منه. إذا، وفي هذه الحالة وبعد التصريحات الأخيرة للرئيس الامريكي يمكن عنونة ان امريكا معارضة لمحادثات السلام في أفغانستان.
موت محادثات السلام في استراتيجية ترامب
على الرغم من أن ترامب تحدث مؤخرا عن محادثات السلام مع طالبان، الا ان الحقيقة وقبل ذلك بوقت طويل، حكم على هذه المحادثات بالموت، وفي الواقع ان محادثات السلام في افغانستان قد انتهت في الوقت الذي أعلن فيه دونالد ترامب عن استراتيجيته الجديدة في افغانستان لهذا العام بزيادة عديد القوات الامريكية والاجنبية وذلك لفترة غير محددة. هذه الاستراتيجية كانت بحكم سند الموت لعمليات السلام في أفغانستان حيث اشترطت طالبان أكثر من مرة استمرار وجودها على طاولة المفاوضات برحيل القوات الأجنبية من البلاد، وهذا ما لم يحدث.
ماذا بعد توقف المفاوضات؟
توقف عمليات التفاوض بين أمريكا وطالبان نتيجة استراتيجية حكومة ترامب بزيادة وجودها العسكري في أفغانستان، قد أظهرت بالفعل أثرها على المشهد الميداني في البلاد، حيث ازدادت الهجمات الانتحارية والتفجيرات والأعمال الإرهابية في أفغانستان في خريف وشتاء هذا العام بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. وتدل التجربة خلال العقود الماضية ان أنشطة طالبان في أفغانستان تنخفض بشكل كبير مع حلول فصلي الخريف والشتاء، غير أن عدد الهجمات الإرهابية في خريف وشتاء هذا العام في مختلف المدن الأفغانية يمثل زيادة غير مسبوقة في الاعمال الارهابية، كما أن الحالة غير الآمنة للمدن الافغانية وحتى كابول عاصمة افغانستان لا يمكن مقارنتها إلا بالسنة الأولى لاحتلال أفغانستان من قبل الجيش الامريكي.
وفي هذا السياق يعترف المسؤولون الأفغان بزيادة انعدام الأمن والاستقرار في البلاد هذا العام، حيث قال طارق شاه بهرامي وزير الدفاع الافغاني في نوفمبر 2017 ان نسبة الهجمات الإرهابية قد زادت بنسبة 13٪ هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وشهدت العاصمة الافغانية كابول عاصمة افغانستان خلال الايام السبعة الاولى من الشهر الحالي اربعة هجمات ارهابية وانتحارية كبرى قتل فيها أكثر من 150 شخصا بحيث لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذه المدينة.
ازدياد انعدام الامن في أفغانستان تزامن مع ازدياد عديد القوات الامريكية من 12 ألف الى 14 الف مقاتل، وحتى دول أخرى غير تابعة للناتو، بما في ذلك قطر وأذربيجان، قامت أيضا بنشر أو زيادة قواتها في أفغانستان بناء على طلب من وزارة الدفاع الامريكية.
ويمكن ربط انعدام الامن والاستقرار في المدن الأفغانية ايضاً الى تضاعف العمليات الجوية الامريكية ضد أهداف جماعة طالبان خلال العام الماضي، إضافة الى ازدياد العمليات الامنية الليلية للقوات الأفغانية المدعومة من القوات الامريكية على مراكز ومعسكرات حركة طالبان، وعلى الرغم من كل هذه التدابير، ازداد الوضع الأمني سوءاً مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
إذا، ومن خلال هذه الوقائع، يمكن للمرء أن يستنتج أن استراتجية ترامب العسكرية في أفغانستان ورفضه الحل السياسي بين الحكومة المركزية الأفغانية وحركة طالبان قد باءت بالفشل منذ البداية، وبسبب هذه الاستراتيجية تبدو آفاق الأمن في أفغانستان أكثر قتامة من أي وقت مضى.