الوقت - بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها العراق على الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" وضرورة إعادة إعمار المناطق التي دُمّرت نتيجة العمليات العسكرية، بدأت الحكومة العراقية بوضع خطط لمواجهة هذا التحدي، فيما بادرت دول أخرى لتقديم وعود بدعم العراق ماديّاً أثناء انعقاد "مؤتمر المانحين الدولي" المقرر في الكويت للفترة من 12 - 14 شباط/فبراير القادم.
ويأمل العراق بجمع منح مالية قد تصل قيمتها إلى نحو 100 مليار دولار من خلال مؤتمر المانحين الذي ستشارك فيه أكثر من 70 دولة من مختلف أنحاء العالم والأمم المتحدة والبنك الدولي.
ومن الدول التي وعدت بدعم العراق ماديّاً السعودية، لكنها اشترطت في مقابل ذلك عدّة شروط من بينها أن تحصل على ضمانات من بغداد بأن الأموال لن تستغل في "مآرب أخرى".
وزعم عضو اللجنة الاستشارية في مجلس الوزراء السعودي اللواء المتقاعد "أنور عشقي" أن العراق يقع تحت تأثير إيران ودول أخرى، وتريد الرياض أن تعرف مصير الأموال التي ستقدمها لبغداد، رغم تأكيد الأخيرة بأنها ستوظفها لإعادة إعمار المناطق التي دمّرتها الجماعات الإرهابية والعمليات العسكرية.
والمعروف عن "أنور عشقي" أنه كان من المتحمسين لتقسيم العراق من خلال دعمه لـ"استفتاء الانفصال" الفاشل الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 أيلول/سبتمبر 2017.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الدمار الذي حلّ بالمناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش" قبل تحريرها من قبل القوات العراقية حصل نتيجة القصف الجويّ الكثيف للقوات الأمريكية لتلك المناطق في إطار ما يسمى "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" الذي تقوده واشنطن.
كما تجدر الإشارة إلى أن الجماعات الإرهابية تلقت دعماً كبيراً من السعودية في جميع المجالات الماديّة والتسليحية والإعلامية واللوجستية لضرب العراق وتخريب بناه التحتية وقتل الكثير من مواطنيه طيلة السنوات الماضية.
ومعروف أيضاً أن العراق مقبل على انتخابات برلمانية من المرجح أن تجرى في أيار/مايو القادم، وتريد السعودية - باعتقاد المراقبين - أن توظف هذه الانتخابات لتحقيق مصالحها من خلال شراء ذمم بعض المرشحين كما حصل في انتخابات سابقة.
وكان السفير السعودي السابق في بغداد "ثامر السبهان" قد تم استبداله بسفير آخر بعد الانتقادات الشديدة التي تعرض لها بسبب تدخله في شؤون العراق الداخلية وتحركاته المشبوهة بدعم الجماعات الإرهابية وبعض الكيانات السياسية الموالية للرياض والتي تسعى لعرقلة جهود الحكومة العراقية الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار في عموم البلد. وهناك أدلة ووثائق تثبت ذلك وقد تم عرض الكثير منها في وسائل الإعلام مصحوبة باعترافات العناصر الإرهابية بأنهم تلقوا الدعم المالي والتسليحي والمعلوماتي واللوجستي من المخابرات السعودية.
في هذا السياق تسربت معلومات بشأن اتصال هاتفي أجراه السبهان الذي يشغل الآن منصب وزير دولة مع نائب الرئيس العراقي "اسامة النجيفي" حول الانتخابات النيابية القادمة. وهذا الاتصال لا يخلو من شبهات تدل على أن السعودية ما زالت تعوّل على مساعدة أطراف داخلية لتقويض العملية السياسية في العراق وعرقلتها بأي شكل من الأشكال.
ومن المعروف أن السعودية تواجه اليوم أزمة اقتصادية حادّة بسبب العجز في الميزانية الذي نجم عن تراجع أسعار النفط من ناحية، والنفقات الهائلة للعدوان المتواصل على اليمن منذ ثلاث سنوات من ناحية أخرى، بالإضافة إلى الدعم المتواصل للجماعات الإرهابية والتكفيرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع الرياض لدعم العراق ماديّاً وهي تعيش هذا الوضع المالي المزري؟
الإجابة عن هذا التساؤل بسيطة وتتخلص بأن هذا الدعم يهدف لضمان التغلغل السعودي السياسي والأمني في شؤون العراق أكثر من السابق، والشروط التي وضعتها الرياض مقابل هذا الدعم يعزز هذا الاعتقاد، ما يشير بأن السعودية تنتقل إلى مرحلة جديدة من التآمر على العراق، خاصة وأن الأخير يقع حالياً تحت تأثير ملفات عديدة في مقدمتها ضرورة إعادة إعمار مناطقه المدمرة، والحاجة الماسّة لجمع الأموال اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وكذلك أهمية تعزيز البنى التحتية في جميع المجالات، وضرورة السعي للقضاء نهائياً على الجماعات الإرهابية التي لازالت تمتلك حواضن وخلايا نائمة تمكنها من تنفيذ عمليات إجرامية ضد الشعب العراقي ومؤسساته الاقتصادية والخدمية في مناطق متعددة من البلاد.
ونظراً لسياسة الرياض الرامية إلى تمزيق الدول التي لاتنسجم سياساتها مع مخططاتها ومشاريعها في المنطقة، يبدو جلياً أن الدعم الذي وعدت السعودية بتقديمه للعراق يهدف لإبقاء هذا البلد في دوّامة الاختراق الأمني والتبعية الاقتصادية.
هذه المعطيات وغيرها تدعو المراقب يتوقف طويلاً أمام نية السعودية تقديم دعم ماديّ للعراق، حيث لايمكن القبول بأن الأمر يقتصر على البعد الاقتصادي دون البعدين الأمني والمخابراتي، وذلك من أجل التعويض عن الهزائم العسكرية والسياسية المنكرة التي مُنيت بها في اليمن وغيرها من دول المنطقة.
أخيراً لاينبغي تجاهل حقيقة أن نظام آل سعود ليس حريصاً على شعوب ودول المنطقة كي يبادر لدعمها لأغراض اقتصادية بحتة، ما لم يتأكد بأن هذا الدعم سيخدم أهدافه التي ترى في تمزيق الآخرين فرصة لإثبات الذات المريضة من جانب، وتكريس الأزمات من جانب آخر، تحت ستار النشاط الاقتصادي تارة والتحرك الدبلوماسي تارة أخرى، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أي متابع لأحداث وتطورات المنطقة خلال السنوات الأخيرة.