الوقت- يرى العام بآسره أن وقف الأعمال الحربية أو إطلاق النار بعد أي عدوان يشنه الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة هو إنتهاء لمعاناة الشعب الفلسطيني من آلة الحرب الإسرائيلية، إلا أن أغلب العلائلات الفلسطينية ترى في هذا الأمر بدءاً لرحلة طويلة مع الألم ختامها "الشهادة". لست أتحدّث هنا عن ألام الجراح أو فقدان الأعزاء أو حتى فقدان البيوت ونقص الغاء، إنما أتحدّث حصراً عن تلك الأمراض الخطيرة التي يعانيها الشعب الفلسطيني جرّاء العدوان الإسرائيلي.
هناك، يدفع الشعب الفلسطيني ثمن الحرب غالياً حيث يتعرّض للأمراض الخطيرة والمميتة بعد استنشاق كميات كبيرة من المواد السامة، في ظل غياب أو ضعف الرعاية الصحية بسبب إستهداف المستشفيات، والمراكز الصحية، واستهداف الطواقم الطبية، والإسعافية من قبل الكيان الإسرائيلي أثناء أيام العدوان.
أمراض خطيرة
أثّر الإستخدام المفرط للمواد والأسلحة السامّة والمحرمة دولياً في غزة على مدار الحروب الأخيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بشكل سلبي كبير على أجسام المواطنين، وتسببت في مضاعفة أوضاعهم الصحية والجسدية، وكذلك إصابتهم بأمراض خطيرة للغاية. وبات مرض السرطان المسبِّب الثاني للوفاة في فلسطين، كما يشهد ارتفاعاً في عدد المصابين يوماً بعد يوم وخاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، ويوجد في مستشفى الشفاء بمدينة غزة 4500 ملف لمرضى السرطان.
في هذا السياق يوضح وزير الصحة الفلسطيني الدكتور جواد عواد إن أمراضا خطيرة خلت منها فلسطين على مدار سنوات عديدة قد تضرب قطاع غزة نتيجة عدم انتظام برامج التطعيم إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويؤكد الوزير أن برامج التطعيم تأثرت بشكل خطير نتيجة العدوان على قطاع غزة مما قد يؤدي إلى ظهور أمراض اختفت منذ زمن، مثل شلل الأطفال، والسل والحصبة الألمانية والجدري، مذكراً بأن قطاع غزة يشهد ارتفاعاً كبيراً في عدد الحالات التي يتم اكتشافها مصابة بالأمراض والأورام الخبيثة خاصة بعد انتهاء الحرب.
دراسات طبيّة
ليس الحديث هنا من باب إسترجاع آلام الماضي أو من سبيل الترف الفكري، إنما هو إستحضار غائي يهدف لبناء مستقبل الشعب الفسطيني بصحة وعافية، حيث تؤكد الدراسات الطبية أن نتائج ما بعد العدوان الإسرائيلي كان "كارثية" على الشعب الفلسطيني.
قفد خرجت دراسات طبية رسمية من اليونان أجريت في قطاع غزة، أثبتت أن "معظم سكان المناطق التي ألقيت فيها قنابل الفوسفور الأبيض هم أكثر المصابين بالسرطانات"، وأكدت الدراسة ما كشفه أطباء متخصصون أن أسباب ارتفاع عدد المصابين بأمراض السرطان في غزة يعود لاستخدام الاحتلال الإسرائيلي الأسلحة المحرمة دولياً كالفوسفور واليورانيوم المخصب، حيث أثبتت منظمة الصحة العالمية أن تلك الأسلحة تسبب الإصابة بمرض سرطان "الرئة والدم".
كذلك تؤكد أكدت دراسة مخبرية أن المتفجرات التي استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اعتداءاتها على قطاع غزة أدت إلى تفشي أمراض خطيرة، وتزايد حالات تشوه الأجنة والإجهاض.
وقد أوضح مدير مركز تحليل الأغذية في جامعة الأزهر بغزة د.محمد الهندي ، ‘إن تلك الاعتداءات أثرت كذلك على حواس السمع والبصر عند سكان القطاع، مشيرًا إلى أنه بإجراء بعض الدراسات على أيونات الدجاج والأرانب، تبين بعد تشريحها أن جميع أعضائها الداخلية متليفة ومتنخرة، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام البشري.
وفيما يتعلق بالأمراض المرتبطة بالتلوث البيئي في قطاع غزة، قال الهندي، إن نسبة السرطانات تفاقمت وبلغت حداً غير معقولاً وظهرت أشكال نادرة ومتعددة للمرض، مضيفًا أنه توصل إلى نتيجة أكيدة من متابعة المواضيع المتعلقة بالتلوث البيئي (الغذائي، والمائي، والهوائي)، وبالرجوع إلى إحصائيات المركز الفلسطيني للإحصاء وآخرها إحصائية 2013-2014.
وفي جانب آخر، أكّدت الإحصائيات أن مرض "السرطان" يُعد ثاني أكبر مسبب وفيات في فلسطين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ أن وفيات الفلسطينيين الناتجة عن السرطان بلغت ما نسبته 13.3%، وهو يحل بالمرتبة الثانية بعد أمراض القلب والأوعية الدموية وفقاً لمركز المعلومات الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية.
وأوضح المركز أن سرطان الرئة أتى في مقدمة السرطانات المؤدية للوفاة بين الفلسطينيين بنسبة 17.9%، تلاه سرطان القولون بنسبة 16.5%، ثم ثالثا سرطان الثدي بنسبة 9.1%، ورابعا سرطان الكبد بنسبة 7.3%، وخامسا سرطان الدماغ بنسبة 6.9%.
وذكر المركز نقلاً عن بيانات السجل الوطني للسرطان في فلسطين، أن السرطانات الخمسة: الثدي، والرئة، والقولون، والكبد، والدماغ تشكل حوالي 60% من حالات السرطان التي تؤدي للوفاة بين الفلسطينيين.
وعن الوقاية من كل هذه الأمراض المذكورة، يؤكد الأطباء أن "عدم تكرار الحروب على قطاع غزة، تعد الوقاية الوحيدة من مختلف الأمراض التي انتشرت في قطاع غزة على وجه الخصوص".
اذاُ، ويلات الحرب تلاحق الفلسطينيين عموماً والأطفال على وجه الخصوص في ظل سكوت أو حتى تواطئ من حلفاء الكيان الإسرائيلي لمنع محاكمته دولياً بسبب إستخدامه للأسلحة المحرمة دولياً. قد ينجح الفرد الفلسطيني في النجاة بأعجوبة من آلة القتل الإسرائيلية، لكنّ هذا الأمر لن يدوم طويلاً وسرعان ما سيكتشف أن رحلته مع المرض الذي سيكون ختامه الموت (الشهادة البطيئة) قد بدأت.