الوقت- "قضية النفط السوري" معقدة إلى حد كبير خاصة أن غالبية الآبار تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وقد تعاون الكرد مع الأمريكيين لبسط سيطرتهم على غالبية حقول النفط في سوريا، لما يشكله هذا الأمر من أهمية كبيرة بالنسبة للأكراد وطموحاتهم في إنشاء حكم ذاتي فضلا عن عائدات النفط التي تساهم بشكل كبير في إحياء المناطق الكردية وتحريك عجلة الاقتصاد داخلها.
السيطرة الكردية على غالبية حقول النفط تواجهها مجموعة من التحديات التي من شأنها أن تقوض الآمال الكردية وتقطع الطريق على الكثير من المخططات التي عمل عليها الأكراد وقيادتهم السياسية والعسكرية لمجموعة من الأسباب نلخصها بالتالي:
أولاً: النسيج العربي الموجود في المناطق التي يقع فيها قسم لابأس به من آبار النفط السورية يبعد امكانية ضم هذه الآبار ووضعها تحت السيطرة الكردية كما يحد من الأطماع الكردية، كما سيواجه الأكراد مشاكل كبيرة في آلية حكم هذه المناطق، ولكن يمكن أن يساعد سيطرة الأكراد على هذه المناطق في المفاوضات مع الحكومة السورية وتقوية موقفهم وربما يزيد من احتمالية حصولهم على حكم ذاتي على طول الشريط الحدودي الشمالي مع تركيا، ولكن حتى هذا الأمر سيصطدم بحائط الرفض التركي الذي لن يسمح بحصول هذا الأمر بالقرب من حدوده.
ثانياً: هزيمة الأكراد في العراق أثّرت بشكل كبير على مشروعهم في روج آقا أو كردستان الغربيّة، الأمر الذي بدّل كثيراً في الحسابات الأمريكية، وهنا لابد من تحذير الأكراد أن أيّ خطأ يرتكبونه قد يُكرر معهم سيناريو أكراد العراق بعد استفتاء بارزاني، وكما ترك الجانب الأمريكي البارزاني سيتركهم، ويمكن أن يقعوا فريسة هذا الفخ.
ثالثاً: ميزانية الحكومة السورية تعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية وبالتالي لن تتنازل الحكومة عن حقول آبار دير الزور، خاصة أن آبار دير الزور تعد من أكبر حقول الطاقة السورية حيث يمكن استخراج 250 ألف برميل من النفط منها يومياً، ما يشكل مصدراً مهماً لتقوية الاقتصاد في المناطق الكردية في شمال البلاد.
رابعاً: لن يجد الأكراد معبرا لتصدير النفط والغاز إلا ضمن الأراضي السورية عبر خط لنقل النفط إلى طرطوس في الساحل السوري، ولكن هذا الأمر إمكانيته غير متاحة في الوقت الحالي، من ناحية أخرى سيضطر الأكراد إلى التفاوض مع الحكومة السورية.
المعبر الآخر لتصدير النفط هو عن طريق تركيا وهذا لا يمكن أن يحدث نظرا لمعارضة تركيا الكبير لتقوية الأكراد في شمال سوريا خوفا من قيام منطقة حكم ذاتي كردي في شمال وشمال شرق سوريا، خصوصاً وأنها تعتقد أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" تربطه علاقات قوية مع حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور من قبل أنقرة والمصنف كمنظمة إرهابية. وهذا يعني أن تركيا لايمكنها أن توافق على مساعي أكراد سوريا لتقوية نفوذهم من خلال السيطرة على نفط دير الزور.
خامساً: كيف سيتمكن الأكراد من إدارة وتشغيل آبار ومنشآت النفط والغاز في حال بقيت تحت سيطرتها؟!. هذا الأمر غير ممكن الحدوث لكون الأكراد لايملكون كادر مدرب ومؤهل لإدراة هذه المنشآت، بينما نجد أن الشركة السورية للنفط تمتلك كادر بشري يقارب عدده خمسة عشر ألف عامل وفني ومهندس مدربين بشكل جيد، وبالتالي كيف يمكن للأكراد إدارة هذه الآبار، خاصة وأن الإنتاج من آبار النفط الثقيل يحتاج إلى خبرات وتقنيات خاصة، إضافة إلى التكاليف الباهظة لتشغيل المنشآت نظراً لقدمها وحاجتها المستمرة للصيانة، أي أن الأمر يحتاج لتمويل لا قِبل لهم به.
سادساً: لن يسمح الروس بتقوية الأكراد على حساب الحكومة السورية التي يقدمون لها الدعم في الحرب ضد الإرهاب، ولايمكن لروسيا القبول بسيطرة الأكراد المدعومين من قبل واشنطن على آبار النفط في دير الزور، لأن ذلك من شأنه أن يخل بميزان القوى لصالح أمريكا في نهاية المطاف.
سابعاً: العرب يشكلون 60 في المئة من القوة العسكرية العاملة تحت الإمرة الكردية، ووصل عدد العرب في آب الماضي، بحسب الإحصائية الأمريكية، إلى 25 ألف عربي من أصل 50 ألف مقاتل، في القوات التي تتولى قيادتها عناصر كردية فقط، وبالتالي هذا الأمر قد يشكل عائق كبير لطموحات الأكراد في الشمال والشمال الشرقي السوري.
واشنطن وإيقاع الأكراد في الفخ
هل تسائل الأكراد لماذا كل هذا الدعم الامريكي لهم؟!، الحقيقة والوقائع تقول بأن هذا الدعم مرحلي ومؤقت سيذهب أدراج الريح بعد تحقيق واشنطن لمصالحها في المنطقة التي على ما يبدو لن تستطيع تحيق منها شيء، خصوصاً بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها محور المقاومة في عموم المنطقة.
هناك أمر آخر يجب الإشارة إليه بأن واشنطن تستخدم الأكراد من أجل السيطرة على مناطق واسعة في الشرق الأوسط بطريقة غير مباشرة، كما سيساعدها الأمر في المفاوضات السياسية بشأن مستقبل سوريا، وغالبا سيتم استخدام الأكراد كورقة ضغط على الحكومة السورية أثناء المفاوضات،ولكن الواضح من خلال تصريحات القيادة السورية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام سيطرة الأكراد على آبار النفط السورية.