الوقت- عام مرّ على تولي عبدالفتاح السيسي، زمام السلطة السياسية في مصر، عاش خلاله الشعب المصري حالة من الترقب والانتظار، عله يشهد تحقق الانجازات التي وعد السيسي بها عند توليه الحكم، إلا أن النتائج بعد مرور عام على حكم السيسي، لم تكن موافقة لآمال وتطلعات الكثيرين من أبناء الشعب المصري، حيث اتسمت فترة حكمه على الصعيد الداخلي، بارتفاع وتيرة الأعمال الارهابية، وتراجع الحريات، واستخدام سياسة القبضة الحديدية مع الخصوم، أما على الصعيد الاقتصادي، فلم يتمكن السيسي من النهوض باقتصاد البلد المنهك، بالرغم من جميع الهبات والمكرمات التي حصل عليها من الدول الخليجية.
نحاول في هذا الجزء من المقال تسليط الضوء على الوضع الداخلي لمصر بعد عام على حكم السيسي، متناولين الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني في هذا البلد خلال العام الماضي:
الوضع الاقتصادي:
يبدو أن الطبقة الفقيرة كانت الأكثر تضرراً من سياسات السيسي الاقتصادية خلال العام الماضي، في ظل انحياز واضح من الحكومة المصرية إلى الأغنياء، والذي تُرجم عملياً من خلال تجميد قرار تطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية على البورصة، وبالمقابل زيادة سعر الوقود ورفع الدعم تدريجياً عن السلع الأساسية خلال خمس سنوات، بما فيها الكهرباء والسولار (المازوت)، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المأساة التي يعيشها الفقراء.
والجدير بالذكر أن أيا من الرؤساء المصريين السابقين لم يستطع القيام بهكذا خطوة، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1977، الذي قام برفع أسعار بعض السلع الأساسية، فتسبب ذلك بانتفاضة 18 و19 من كانون الثاني من نفس العام، التي شهدت فيها القاهرة تظاهرات واسعة دفعت السادات إلى التراجع، وهو الدرس الذي استوعبه جيدا كل الرؤساء من بعده.
ولم يستطع السيسي أن يحقق أي نمو اقتصادي خلال عام من حكمه، وتشير بيانات صندوق النقد الدولى إلى أن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي قد بلغ 2.1% عام 2013، مقارنة بنحو 2.2% عام 2012، وتشير التقديرات إلى أنه سيبلغ نحو 2.2% في العام 2014 [1]، ما يعني أن الأداء الاقتصادي ظل يراوح مكانه ولم يشهد فارقاً يذكر في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وقد شهد الاقتصاد المصري خلال حكم السيسي عجزاً كبيراً في الموازنة وتضخماً في الديون، حيث وصل حجم الدين الخارجي إلى أكثر من 46 مليار دولار في نهاية يونيو 2014، مقارنة بنحو 43.2 مليار دولار في نهاية يونيو 2013 [1].
وقد شهد عام السيسي انسحاب عدة مصارف أجنبية، وشركات كبرى عالمية من سوق الاستثمار المصرية، الأمر الذي يعزى إلى تفشي الفوضى والضبابية في الحياة السياسية في مصر.
كما تراجعت الإيرادات السياحية وارتفع معدل البطالة، ليصبح عدد العاطلين عن العمل حوالي 3,7 مليون نسمة [1]، في ظل غياب أي آلية حكومية لمساعدتهم على مواجهة البطالة. ويرى مراقبون أن الحديث عن المشاريع الاقتصادية العملاقة، كقناة السويس الجديدة، في ظل هكذا ظروف لا يتعدى الكلام الدعائي.
السياسة الداخلية والحريات:
توج السيسي ملفه السياسي بإصدار أحكام إعدام بالجملة بحق قادة "الإخوان المسلمين"، ومارس سياسة القبضة الحديدية ضد خصومه، وفي سابقة قضائية، أصدرت المحاكم المصرية في مارس/آذار العديد من أحكام الإعدام بحق أعضاء من جماعة "الإخوان" كان أولها ضد 529 متهما في أحداث العنف التي أعقبت فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بينما أصدرت محكمة جنايات المينا نفسها أحكاما بإعدام 683 متهما آخرين، بينهم مرشد الإخوان محمد بديع، في اتهامات بقطع الطرق وقتل شرطي، تبعتها أحكام أخرى ضد 10 من عناصر الإخوان ثم 12 آخرين، من بينهم بديع أيضا. كما أمرت الحكومة المصرية بمصادرة أموال 527 من أعضاء "الإخوان"، بمن فيهم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
ويرى مراقبون أنه بالرغم من أخطاء "الإخوان المسلمين" الكثيرة أثناء تسلمهم الحكم، إلا أن السيسي لم يستطع أن يقدم نفسه كبديل جيد، وإذا كان نظام محمد مرسي متهماً بقتل الشباب عند قصر الاتحادية، فإن نظام السيسي متساوٍ معه، فهو لم يف بوعده تجاههم، ويكفي أن المئات من شباب الثورة، وعدداً مُعتبراً من الصحافيين والمعارضين من تيارات مختلفة، لا يزالون في السجون، بينما رجال مبارك خارج الأسوار ويتهيئون لاستعادة أدوارهم.
وتشير تقارير صادرة عن المركز المصري للحقوق والحريات [2] إلى وجود 139 حالة قتل داخل السجون في العام الأول من حكم السيسي، وذلك منذ 30 يونيو 2013 وحتى الأول من يونيو 2015، الأمر الذي يعزى إلى فرض حالة الطوارئ، التي أدت إلى فتح المجال لقوات الجيش والشرطة لتوسيع انتهاكاتها بحق المدنيين. وأكد المرصد المصري للحقوق والحريات أن كمية الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين في شمال سيناء خلال الأشهر الستة الأولى لتطبيق حالة الطوارئ فاقت ما تم ارتكابه في عام كامل منذ بداية ما يسمى الحرب على الإرهاب في شمال سيناء في سبتمبر 2013.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد تحدثت في تقرير لها[3]عن شهادات مروعة، تُرتكب في السجون السرية في مصر في عهد السيسي، وجاء في التقرير: "إن العديد من المصريين المفقودين يتعرضون للتعذيب في سجون عسكرية سرية من دون صدور أي حكم قضائي باحتجازهم"، حيث أن هناك 16 ألف سجين تم اعتقالهم منذ نهاية تموز/يوليو 2013.
من ناحية أخرى، تفرد الرئيس السيسي بالسلطة، في ظل غياب سلطة تشريعية وبرلمان منتخب، حيث لم يف السيسي بالوعود التي قطعها باستكمال "خارطة الطريق" من خلال إجراء انتخابات برلمانية، وتم تأجيل الانتخابات عدة مرات تحت ذرائع مختلفة، الأمر الذي يصفه مراقبون بأنه جاء نتيجة الخشية من وصول سلطة تشريعية تنافس الرئيس على صلاحياته، حيث عاشت مصر خلال العام الماضي من حكم السيسي بلا أحزاب سياسية، فقد تفككت ما كانت تُسمى بـ"جبهة الإنقاذ" بعدما قصرت دورها على الحشد الجماهيري في مواجهة "الإخوان" وتسليم الراية للسيسي، الأمر الذي أسهم في تكريس مناخ عدائي للأحزاب والتيارات المعارضة، التي شاركت في ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
الوضع الأمني:
ارتفعت وتيرة الأعمال الارهابية في عهد السيسي مقارنة بعهد سلفه "محمد مرسي"، الأمر الذي يعزيه مراقبون إلى سياسة القمع التي واجهها "الإخوان المسلمون" في مصر، مما أدى إلى جنوح العديد من الشباب نحو التطرف، ولم تجن سيناء بعد مرور عام على وصول السيسي إلى الحكم سوى مزيد من القتل والتدمير، سواء في صفوف الشرطة، أو المدنيين. وتشير الاحصاءات، أن سيناء في عهد مرسي (30 حزيران 2012 ــ 3 تموز 2013)، شهدت خمسة اعتداءات ارهابية أوقعت 23 قتيلاً و8 مصابين واختطاف 7 من جنود الجيش والقوات الأمنية المصرية، فيما زادت وتيرة العمليات بعد عزل مرسي، إذ شهد حكم منصور (3 تموز 2013 - 8 حزيران 2014) 27 حادثاً، أوقعت 79 قتيلاً و161 مصاباً. هذه الأرقام قفزت في عام حكم السيسي لتسجل وقوع 65 عملية أوقعت 197 قتيلاً و918 مصاباً [4].
ويرى مراقبون أن فرض حالة الطوارئ قد جاء بمقتضى أهداف سياسية غير ذات صلة بالمحافظة على الأمن القومي، وأن سيناء شهدت الكثير من الانتهاكات من قبل الجيش، بذريعة مكافحة الارهاب، حيث أن سكان شمال سيناء معرضون للقتل من الطرفين، سواء من فرع تنظيم "داعش" الارهابي، أو من قبل الجيش المصري الذي يقوم بعض الأحيان بالقتل على الشبهة. ولا تقتصر معاناة أهالي سيناء على هذا الأمر، فقد تم تدمير أجزاء كبيرة من مدينة رفح والبيوت على الحدود مع قطاع غزة، في ما عرف بخطة المنطقة العازلة. وبلغ عدد الأفراد المهجرين قسراً على مرحلتين نحو 21 ألفاً و392.
فسياسة القبضة الحديدية التي انتهجها السيسي في البلاد، لم تفشل في تحقيق الأمن فحسب، بل زادت من معاناة ومأساة سكان المناطق التي ينتشر فيها الارهاب.
في الجزء الثاني من المقال سنتناول ما أنجزه السيسي خلال عام من حكمه على صعيد السياسة الخارجية.
المصادر:
[1] الحلو والمر في الحصاد الاقتصادي لعام 2014، صحيفة الاهرام المصرية، http://www.ahram.org.eg/NewsQ/348807.aspx
[2] المركز المصري للحقوق والحريات، http://www.slideshare.net/ssuserd93812
[3] سجون مصر السرية، صحيفة الغارديان البريطانية، http://www.theguardian.com/world/2014/jun/22/disappeared-egyptians-torture-secret-military-prison
[4] قدم الرئيس لم تطأ شمال سيناء، جريدة الأخبار اللبنانية، http://al-akhbar.com/node/235108