الوقت- بعد الهزائم المرّة التي تلقاها تنظيم "داعش" الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط لاسيّما في العراق وسوريا، شرع هذا التنظيم بنقل ما تبقى من عناصره وأمواله إلى العديد من دول جنوب شرق آسيا نظراً لوجود عوامل مساعدة تمكنه من مد نفوذه في هذه الدول. ويمكن إجمال هذه العوامل بما يلي:
الكثافة السكانية والمساحات الواسعة
من المعلوم أن جنوب شرق آسيا تضم العديد من الدول ذات الكثافة السكانية العالية وفي مقدمتها إندونيسيا التي يصل عدد سكانها إلى حدود 260 مليون نسمة، وهذا الأمر من شأنه أن يوفر الأرضية لتغلغل عناصر "داعش" في صفوف هذه الدول من أجل تنفيذ عمليات إرهابية على غرار ما قام به في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
إلى جانب ذلك، هناك المساحات الشاسعة التي تشكل دول جنوب شرق آسيا ومن بينها الكثير من الجزر التي يتراوح عددها بين 6000 - 10000 جزيرة منتشرة في المياه الإقليمية لهذه الدول. وهذا الأمر يساهم أيضاً في اختفاء عناصر "داعش" ويمكنهم من تنفيذ المخطط الإرهابي الذي يسعون للقيام به وعلى نطاق واسع في تلك المنطقة.
الفقر والحرمان
تعيش الكثير من شعوب دول جنوب شرق آسيا حالة من الحرمان والفقر لاسيّما في أوساط المسلمين بسبب الفوارق الطبقية والسياسات القائمة على التمييز القومي والعرقي في تلك الدول. ومثل هذه البيئة توفر بطبيعة الحال مكاناً مناسباً لتغلغل عناصر "داعش" من أجل استقطاب عناصر جديدة خصوصاً في صفوف الشباب العاطل عن العمل وباقي الفئات المحرومة من المقومات الأساسية للحياة وفي مقدمتها التعليم والصحة والغذاء.
دعم أمريكا لـ"داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية
بعد فشل أمريكا في تنفيذ مخططها الرامي إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط بادرت إلى التنسيق مع الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش" للتوجه نحو مناطق أخرى وتحديداً إلى جنوب شرق آسيا لإدراكها أهمية هذه المنطقة في كافة النواحي الاقتصادية والعسكرية والأمنية خصوصاً مع وجود الصراع الخفي والمعلن والمستمر مع دول كبرى أخرى في طليعتها روسيا والصين في هذه المنطقة.
تواطئ بعض الحكومات مع الجماعات الإرهابية
تعاني منطقة جنوب شرق آسيا من وجود العديد من الحكومات المتهمة بالتعاون مع الجماعات الإرهابية كحكومة ميانمار التي تضطهد مسلمي "الروهينغا" في هذا البلد بسبب الدوافع العنصرية لهذه الحكومة التي تدعم البوذيين ضد المسلمين مستفيدة من الصمت الدولي المريب تجاه الجرائم التي يتعرض لها الروهينغا منذ سنوات والتي اشتدت خلال الشهور الأخيرة ووصلت إلى حد لا يطاق.
وأشار تقرير لشبكة CNN إلى نمو العلاقات بين جماعات مسلحة منتشرة في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، ما يزيد من خطر الإرهاب في هذه المنطقة.
وتعيق الخلافات بين الدول الثلاث حول مسائل سياسية تتعلق بالسيادة والحدود الجغرافية من إمكانية التنسيق في ما بينها لهزيمة هذه المجموعات المسلحة.
ويجعل هذا التوتر تنقل الإرهابيين بين الفلبين وماليزيا وإندونيسيا أمراً سهلاً، خاصة وأن الجماعات المسلحة تنشط في المناطق الحدودية بين الدول الثلاث منذ سنوات، مستغلة غياب التنسيق الأمني، كما يجعل من المنطقة بيئة ملائمة لانتشار مجموعات الخطف مقابل فدية.
دعم الوهابية للجماعات التكفيرية
تكثر في العديد من دول جنوب شرق آسيا النشاطات "الثقافية" التي تقوم بها الجماعات الوهابية والتي تشجع على تكفير الفرق الإسلامية المخالفة للفكر الوهابي المتطرف. وتعمد السعودية بشكل خاص لتقديم العون والدعم المادي لهذه الجماعات من أجل تشكيل خلايا تأخذ على عاتقها نشر التطرف في تلك الدول في إطار سياسة تهدف إلى إضعاف الهوية الوطنية لشعوب المنطقة من خلال محاولة تغليب النزعة التكفيرية، مستفيدة من حالة الفقر والحرمان والوضع الاقتصادي المتردي في العديد من بلدان تلك المنطقة.
خلاصة القول إن تنظيم "داعش" سيستغل الفراغ الأمني في جنوب شرق آسيا لمد نفوذه المخرب في تلك المنطقة خصوصاً مع وجود جماعات متطرفة أخرى ومن بينها ما يسمى بـ "أنصار التوحيد" في إندونيسيا و "حركة العدالة" في الفلبين، ما يستدعي من جميع دول المنطقة التوحد وانتهاج استراتيجية مدروسة ومتماسكة للتصدي لهذا الخطر الداهم قبل فوات الأوان وقبل أن تدفع شعوب تلك الدول ضريبة باهظة من دماء أبنائها كما حصل في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة نتيجة عبث الإرهابيين بمقدرات هذه المنطقة بدعم من أمريكا وحلفائها الغربيين والإقليميين وفي مقدمتهم السعودية.
ويحذر محللون من أنه إذا لم تقم حكومات دول جنوب شرق آسيا، بتصرف حاسم تجاه خطر "داعش"، فإنها تخاطر بتحولها إلى نسخة من المناطق القبلية الملتهبة كتلك الموجودة على الحدود الأفغانية والباكستانية.