الوقت - بعد تصاعد حدة التوتر بين أمريكا وكوريا الشمالية على خلفية التهديدات المتقابلة نتيجة مواصلة بيونغ يانغ لتجاربها الصاروخية والنووية، تبلورت تحالفات استراتيجية بين كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية من جانب، وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية من جانب آخر.
وتصاعد التوتر في المنطقة هذا الشهر عقب إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية سادسة هي الأقوى، وقامت بتجربة لصاروخ متوسط المدى فوق اليابان. كما قامت أربع مقاتلات شبح أمريكية من طراز "أف-35" وقاذفتان من طراز "بي-1بي" بطلعات فوق شبه الجزيرة الكورية في استعراض قوة، فيما بدأت الصين وروسيا مناورات بحرية مشتركة إلى الشرق من شبه الجزيرة الكورية.
وقبل نحو شهر كشفت صحيفة "فاينانشل تايمز" الأمريكية عن مشاهدة قاذفات قنابل استراتيجية روسية من طراز "تو- 95 إم إس" في أجواء شبه الجزيرة الكورية، وهي بمثابة رسالة إنذار كشفت عن استياء الكرملين من المناورات العسكرية المشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية.
الدعم الروسي
- ترفض موسكو تشديد الحظر على كوريا الشمالية واستخدام القوة العسكرية ضد هذا البلد وفي عموم منطقة شبه الجزيرة الكورية، وتعارض في الوقت نفسه سياسة أمريكا الرامية لتعزيز نفوذها العسكري في هذه المنطقة.
- تدعو روسيا لتسوية الأزمة الكورية بالطرق الدبلوماسية وتتحرك باتجاه إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
المعيار الدبلوماسي
يعتقد معظم المراقبين بأن رئيس كوريا الشمالية "كيم جونغ أون" يسعى لتوظيف أجواء الأزمة مع أمريكا لاستقطاب روسيا والصين من خلال إعطاء امتيازات لهذين البلدين خصوصاً في المجالين الاقتصادي والتجاري.
وفي الوقت الحاضر يصل حجم التبادل بين بيونغ يانغ وبكين إلى حدود 80 بالمئة من إجمالي العلاقات التجارية لكوريا الشمالية، وتأتي روسيا بالدرجة الثانية في هذا المضمار، لاسيّما في مجالي تصدير النفط والغاز إلى هذا البلد.
ومن المرجح أن يفتتح خط ملاحي بحري جديد بين روسيا وكوريا الشمالية قبل حلول نهاية العام الجاري لرفع مستوى التبادل التجاري بين الجانبين.
وعلى الرغم من تحذير روسيا من تداعيات التجارب الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية إلاّ إنها ترفض في الوقت ذاته التحركات العسكرية الأمريكية في شرق وجنوب شرق آسيا بحجة مواجهة التهديد الكوري.
وبفعل الدعم الروسي والصيني (سياسياً واقتصادياً) تمكنت كوريا الشمالية من مواجهة التحالف الأمريكي الياباني مع كوريا الجنوبية.
ويرى المتابعون بأن هدف روسيا في شرق آسيا يكمن بتطوير التبادل التجاري مع دول المنطقة لاسيّما في مجال الطاقة، ولهذا تسعى موسكو لإبعاد شبح الحرب عن هذه المنطقة وتطالب من أجل ذلك بإخلائها من السلاح النووي.
اعتبارات السياسة الروسية
من المؤكد أن روسيا لاتريد إضعاف موقف كوريا الشمالية مقابل أمريكا وحلفائها لأنها تعتقد بأن ذلك سيصب في مصلحة واشنطن، ولهذا فهي ترفض نشر منظومات صاروخية ورادارية أمريكية ومن بينها "نظام ثاد الصاروخي" في كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
وفي وقت سابق أيدت روسيا دعوة الصين لمقاربة "من مسارين" تقوم فيها كوريا الشمالية بتعليق برنامجها للأسلحة مقابل وقف أمريكا مناورات عسكرية في المنطقة.
وقدّمت كل من موسكو وبكين اقتراحاً لحل أزمة بيونغ يانغ تحت عنوان خطة "التجميد المزدوج"، التي تنص على وقف كوريا الشمالية الاختياري للتجارب النووية وإطلاق القذائف، وامتناع أمريكا وكوريا الجنوبية عن تنفيذ تدريبات في المنطقة، وأن تبدأ الأطراف المتنازعة، بالتوازي، المفاوضات وتضع مبادئ عامة للعلاقات المتبادلة، بما في ذلك عدم استخدام القوة، وبذل الجهود من أجل نزع السلاح النووي.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن كوريا الشمالية باتت أشبه بورقة بيد موسكو للضغط على أمريكا والغرب بشكل عام، وبالتالي فإن روسيا هي الرابح الأكبر من التوتر في شبه الجزيرة الكورية على الرغم من مساعيها لإنهاء هذه الأزمة بالطرق السلمية لزيادة حجم التبادل التجاري مع دول المنطقة، وهذا الأمر يتطلب منها التحرك دبلوماسياً لتفعيل المحادثات السداسية التي تضم بالإضافة إليها كلاً من أمريكا والصين واليابان والكوريتين التي تم تنظيمها بعد انسحاب بيونغ يانغ من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 2003. وتم عقد هذه المحادثات 6 مرات وخاصة بعد التجربة النووية الكورية الشمالية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2006.
وتوقفت المحادثات عام 2008 بسبب انسحاب بيونغ يانغ منها احتجاجاً على فرض عقوبات دولية عليها. كما تشترط كوريا الجنوبية على الشمالية وقف أنشطتها النووية لاستئناف هذه المحادثات.