الوقت- أثبتت حماس حسن نواياها وأفعالها إزاء المصالحة الوطنية الفلسطينية. فقد أفضت القرارات الأخيرة بحل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وموافقتها على إجراء الانتخابات العامة بعد زيارة موسّعة للحركة إلى القاهرة في كسب ود الموقف المصري لصالحها، ورمي الكرة في ملعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
الرسالة الحمساوية لاقت تأييداً فلسطينياً، وردّ إيجابي أوّلي من فتح، إلا أنها لاقت قلق اسرائيلي مبطّن حاول تفنيدها والتركيز على نقاط الخلاف بين فتح وحماس، فضلاً عن رسائل تهديد مبطّنة عبر الصحف الإسرائيلية.
قلق اسرائيلي
الكيان الإسرائيلي المستفيد الأكبر من الوضع الفلسطيني القائم، بداً منتقداً للخطوة الحمساوية محاولاً تفريغها من فحواها فقد رأى محللون في صحف ومواقع عبرية أن خطوة حماس التي جاءت "تحت ضغط مصري"، هي "خطوة تكتيكية تخدم الحركة بشدة، وتضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مأزق شديد".
وفي حين اعتبر الخبير في الشؤون الفلسطينية والمحاضر بقسم الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة "آرئيل"، جادي حيتمان"، في مقال حمل عنوان "خطوة حماس التكتيكية"، نشره موقع صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم) أن قرار الحركة حل اللجنة الإدارية "يخدم حماس على الساحة الداخلية والإقليمية.. ويهدف لرفع العقوبات والحصول على مساعدة مصر والإمارات سياسيًا واقتصاديًا"، قال الصحفي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية، "يوني بن مناحيم" في مقال نشره "مركز القدس للشؤون العامة والسياسية" (مركز أبحاث إسرائيلي يميني مستقل) أن عباس يواجه مشكلة كبيرة، موضحاً أنّه في حال أعلن عباس الآن عن موافقته على المصالحة مع حماس فسيقدم بذلك ذخيرة ممتازة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سيلتقي ترامب هو الآخر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في خطابه بمؤتمر الرياض (مايو/أيار الماضي) أن حركة حماس تنظيم إرهابي، "فكيف يذهب عباس للقائه في نيويورك بينما يخوض مصالحة مع حماس؟".
المصالحة الوطنيّة
تعدّ قرارات حماس مقدّمة طبيعية لمصالحة فلسطينية تعيد اللُحمة إلى المشهد السياسي الفلسطيني المتشرذم، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: لا يختلف اثنان على رمي حركة حماس للكرة في ملعب الرئيس عباس، إلا أن ردّ رام الله سيكشف الوجه الحقيقي للرئيس الفلسطيني، فهل يريد مصالحة تنتج عنها حكومة وحدة وطنيّة، أم أنه لا يريد مصالحة وطنية مع فريق يقاسمه السلطة. عباس لن يدلي بدلوه إزاء المصالحة مع حماس قبل لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيويورك الأسبوع الجاري، خاصّة بعد لقاء الأخير لنتنياهو أمس الاثنين.
ثانياً: الرئيس عباس الذيّ عبّر في اتصال هاتفي مع اسماعيل هنية عن ارتياحه لأجواء المصالحة الفلسطينية التي سادت عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال الجهود المصرية، لم يدلي بأيّ جديد حول الخطوات اللاحقة، وبالتالي المطلوب اليوم من عباس التجاوب مع خطوة حماس بحل اللجنة الإدارية، لأن "تجاوب محمود عباس مع هذه الخطوة بلا شك سيحقق مصلحة وطنية فلسطينية عليا، والتئام الشعب الفلسطيني وانتهاء الانقسام"، وفق أسامة حمدان، القيادي في حركة "حماس".
ثالثاً: يعتقد البعض أن يلجأ عباس إلى المماطلة وتمييع خطوة حماس، إلا أن تنكّر عباس لهذه التفاهمات والوساطة المصريّة ستجعله الخاسر الأكبر على الصعيدين الداخلي والاقليمي. فإذا قدّم محمود عباس مواقف إيجابية، ستكون هناك فرصة للجميع لإعادة اللحمة الوطنية، وإذا كان الجواب سلبياً، فالشعب الفلسطيني وقضيّته المحقة هم الخاسرون الأوائل. في الحقيقة إن المصالحة الفلسطينية ليست ملف سياسي تختزنه الادراج المغلقة، بل هي إرادة وطنية تحتاج إلى بيئة سياسيّة مناسبة.
رابعاً: لا يختلف اثنان على وجود جملة من التعقيدات الداخلية والضغوط الخارجية التي تشكّل عقبة امام المصالحة، إلا أن التداعيات الإيجابيّة للمصالحة الوطنية على الشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن التيارات السياسيّة، أكبر بكثير من الظروف الراهنة. المرحلة تستدعي التغاضي عن جملة من الزواريب السياسيّة الداخليّة الضيّقة، إضافةً إلى الابتعاد عن أي أطراف خارجية تسعى لافشال المصالحة. لا نستبعد احتمالات جر ملف المصالحة نحو تسوية سياسية أو تصفية سياسية تنال من القضية، لذلك لا بد من توخي الحذر.
خامساً: لم تقتصر الرسائل الإسرائيلية على أن ظروف المصالحة الحقيقية بين فتح وحماس، لم تنضج بعد وبعيدة عن التحقق، بل حاولت التلويح لعبّاس بغريمه الفتحاوي محمد دحلان، حيث قال "عوديد جرانوت"، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" أن "عباس يدرك جيدا الفخ، إذ أنه إذا رفض اليد الممدودة له ظاهريًا، من غزة، سيبدو على الفور كمن يدير ظهره لفكرة الوحدة وسيفسد علاقاته أكثر بالمصريين، الذين يفضلون كما يعتقد وبصدق، غريمه الفتحاوي محمد دحلان"، وفي المقابل "إذا ما استجاب عباس للطلب وأزال العقوبات على حماس فسوف يظهر ضعيفًا وكمن يتنازل دون الحصول على مقابل".
الكيان الإسرائيلي الذي تهكّم المصالحة كثيراً طمأن الداخل معتبراً أن سكان غزة فقط هم الذين يعتقدون أن المصالحة المزعومة ستؤدي لتحسن أوضاعهم، وهم من قد تكون خيبة الأمل من نصيبهم، فهل سيكون عبّاس عند حسن ظنّ الشعب الغزي أم الكيان الإسرائيلي؟