الوقت- استجاب اخيرا رئيس منطقة اقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني الذي يصر على انفصال هذا الإقليم عن العراق، لضغوط معارضي الاستفتاء، أي امريكا، وحكومة بغداد، وتركيا وحتى الجمهورية الاسلامية الايرانية، وايضا بسبب عدم التنسيق مع الاحزاب الكردية المعارضة للاستفتاء، وأعلن مؤخرا في تصريح له مع صحيفة الشرق الأوسط أنه يطالب بالحصول على ضمان لتأجيل اجراء الاستفتاء.
تصريح البارزاني هذا يدل على إحباطه ويأسه من اجراء استفتاء الانفصال في الظروف الحالية.
ينبغي اعتبار استقلال كردستان انها ستكون ظاهرة متعددة التداعيات والجوانب لها آثارها السياسية والامنية والاجتماعية اقليميا ودوليا. وعلى كل ناشط إقليمي ودولي أن يرى هذه القضية من وجهة نظر مختلفة تتماشى مع مصالحه الخاصة، ولكن في السياق الحالي للعلاقات والتطورات في المنطقة، فإن معظم هذه الدول غير راغبة في تشكيل دولة كردية مستقلة. قد يكون الكيان الاسرائيلي الغاصب هو المناصر الاقليمي الوحيد الموافق لإقامة دولة كردستان حيث انهم لم يدخروا أي جهد لتحقيق هذا الأمر.
ينبغي تقييم الظروف الداخلية لإقليم كردستان والمطالب الاجتماعية بشأن الاستقلال وتحليلها بشكل منفصل عن إرادة البيئة الدولية. و قد يصعب العثور على شخص داخل الاقليم يعارض الاستقلال، ولكن هذا ليس سوى شرط لتحقيق أحلام الاكراد القديمة وليس شرطا كافيا. في عالم اليوم، حيث تلعب العلاقات بين الكيانات السياسية بأشكالها المختلفة دورا حاسما في تحديد مصير التطورات الدولية، وبدون موافقتها، فإن جميع مراحل الاستقلال، بما في ذلك الاستفتاء، وإعلان الاستقلال والتأسيس، و ... مستحيلة عمليا أو مكلفة جداً ومقارنة بالتكلفة والمنافع، فإن اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه سيكون غير معقول.
دفع الأكراد أثمان عالية لتحقيق الاستقلال منذ رسم حدود سايكس بيكو الى اليوم، ونظرا للطبيعة المتأصلة والتاريخية في هذه المسألة في المجتمع الكردي، يجب أن لا نتوقع أن الأكراد سواء على مستوى الحكام والشعب ونشطاء المجتمع المدني، أن ينسوا مآسي القرن الماضي ويغضون النظر عنها، لذلك شدد البارزاني على ان "الاستفتاء حق طبيعي للأكراد لتقرير مصيرهم"، كما رجّح ان تؤدي الشراكة مع بغداد الى علاقة جوار طيبة، كذلك أعرب عن ثقته تجاه الرأي الايجابي للناس بشأن الاستفتاء، بل قال انه سينسحب من السلطة اذا كان رأي الناس سلبيا.
وبطبيعة الحال، فإن تصريحاته بشأن الاستقالة في حال التصويت السلبي للناس في الاستفتاء (بشرط صدقه) لها رسالة أخرى، وهي أن السيد برزاني قد وضع استقلال كردستان كأهم هدف له.
وبعد ان استوعب مسعود البرزاني الضغوط الدولية التي يواجهها لإجراء الاستفتاء وخيبة ألامل التي اصابته، طرح شرطا لقبول تأجيل الاستفتاء في الظروف الحالية، قائلا إن الفرصة الوحيدة لتأجيل الاستفتاء هي ضمانات دولية مكتوبة من قبل بغداد والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لأجل عقده في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن يُتوقع من بغداد -المعارض العنيد للإنفصال- أن تعطي ضمانات لأربيل، لأن هذا الضمان نفسه سيكون بمثابة ضوء أخضر لقبول الاستقلال. وسترفض الولايات المتحدة الأمريكية قبول مثل هذا الشرط طالما ان لديها اتفاقات تعاون مختلفة مع بغداد، كما تعتبر الاكراد وسيلة للسيطرة على الشيعة في العراق، لانها ترى بغداد اكثر اهمية من اربيل. ومن غير المتوقع ان يعارض الاتحاد الاوربي والامم المتحدة وجهة نظر واشنطن وبغداد تجاه الاستقلال. في تقييم عام، سنجد البارزاني وحيدا في ظل السياقات الراهنة للمنطقة، ويبدو أن خصوم الاستفتاء ومعارضي الاستقلال قد وصلوا الى مبتاغهم في هذه المرحلة.
علی ساجد خبیر شؤون العراق