الوقت- قامت دولة الكويت خلال العقود الأخيرة بالعديد من الوساطات بهدف تسوية الخلافات بين بعض دول المنطقة، وقد نجحت في هذا المضمار إلى حد كبير رغم الصعوبات التي واجهتها في هذا المجال.
وكانت أول تجربة للكويت للقيام بدور الوسيط قد حدثت في منتصف الستينات من القرن الماضي، وذلك عندما قامت بالوساطة بين مصر والسعودية لحل الصراع الذي ظهر بين الدولتين في اليمن.
كما قامت الكويت بالوساطة بين اليمن الجنوبي وسلطنة عُمان؛ حيث استطاعت أن تتوصل إلى اتفاق أنهى الأزمة بين الطرفين وتم توقيعه في الكويت في أكتوبر/تشرين الأول 1982. وسعت أيضاً في حل النزاع بين باكستان وبنغلاديش في بداية السبعينات من القرن الماضي.
وتتمتع الكويت بحِرفية عالية وخبرة طويلة في مجال الوساطة امتدت لأكثر من نصف قرن في مجال إدارة السياسة الخارجية. وخلال العامين الماضيين قامت بعدد من الوساطات أبرزها:
- التوسط بين إيران وعدد من دول مجلس التعاون لتسوية الخلافات بين الجانبين لما تمتلكه من روابط حسنة مع الطرفين باعتبارها عضو مؤثر في مجلس التعاون وجارة لإيران.
وقد تجلت هذه الوساطة بوضوح أثناء زيارة وزير الخارجية الكويتي "الشيخ صباح خالد الحمد الصباح" إلى طهران في 25 يناير/كانون الثاني 2017 حاملاً رسالة من أمیر الكویت "الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح" إلى الرئیس الإيراني "حسن روحاني"، وذلك في أعقاب الأزمة التي حصلت بين طهران والرياض إثر إعدام الأخيرة الشيخ نمر باقر النمر والاحتجاجات التي حصلت في إيران والتي تخللها اقتحام مبنى السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المحتجين.
- قامت الكويت وبدعم من الأمم المتحدة بالتوسط بين أطراف الأزمة اليمنية من خلال استضافتها لعدد من المفاوضات السياسية الرامية لتسوية هذه الأزمة.
- قام أمير الكويت بدور الوساطة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى بفضل الحياد الذي اتخذته دولته إزاء هذه الأزمة. وفي إطار جهوده لرأب الصدع بين دول مجلس التعاون زار الشيخ صباح الأحمد كلاً من السعودية والإمارات وقطر، حيث أجرى مباحثات مع قادة تلك الدول. كما استقبلت الكويت الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وقام وزير خارجيتها "الشيخ صباح خالد الحمد الصباح" بإجراء محادثات هاتفية مع عدد من نظرائه في دول العالم بينهم الوزير الإيراني "محمد جواد ظريف" من أجل حلحلة هذه الأزمة.
أهداف الكويت من وراء هذه الوساطات
يمكن تلخيص هذه الأهداف بما يلي:
- السعي لإعادة الأمن والاستقرار إلى عموم المنطقة، لإدراك الكويت بأن النزاعات الإقليمية يمكن أن تنعكس سلبياً على أمنها الوطني.
- تقوية علاقات الكويت مع دول المنطقة خصوصاً عندما تنجح في تسوية الخلافات القائمة بين هذه الدول.
- زيادة الاعتبار الدولي والإقليمي لدولة الكويت كعامل توازن في المنطقة رغم صغر مساحتها الجغرافية وقلة عدد سكانها قياساً إلى الدول الأخرى في هذه المنطقة كالعراق والسعودية.
- حفظ تماسك مجلس التعاون باعتبار أن الكويت هي من الدول الأساسية التي شاركت في تشكيل هذا المجلس عام 1981 لتحقيق أهداف مشتركة مع باقي الأعضاء وفي مقدمتها تعزيز التبادل التجاري والتنسيق في مجال الطاقة وغيرها من المجالات.
وفي هذا الصدد أكد أمير الكويت أثناء استقباله رئيس مجلس العلاقات العربية والدولية "محمد الصقر" بأن التقريب بين دول مجلس التعاون وحل خلافاتهم واجب لا يستطيع التخلي عنه، محذراً من أن الخلافات قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وقال الصباح "إن أي إرهاق وأي جهود مهما كانت صعبة، تهون أمام إعادة اللحمة لدول المجلس وإزالة الخلافات، مؤكداً أنه يصعب على الجيل الذي بنى المجلس قبل 37 عاماً؛ أن يرى بين أعضائه تلك الخلافات التي قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه".
وأضاف الصباح "أنا شخصياً عايشت اللبنة الأولى لبناء هذا المجلس منذ نحو أربعة عقود، لذا ليس سهلاً على من هو مثلي عندما يكون حاكماً أن يقف صامتاً دون أن يفعل كل ما باستطاعته للتقريب بين الأشقاء، وهذا واجب لا أستطيع التخلي عنه".
وفي إطار جهوده لرأب الصدع بين دول المجلس زار الشيخ صباح الأحمد كلاً من السعودية والإمارات وقطر، حيث أجرى مباحثات مع قادة تلك الدول.
وتجدر الإشارة إلى أن الكويت أعلنت مؤخراً عن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة بناء مدينة الموصل العراقية بعد تحريرها بالكامل من تنظيم "داعش" الإرهابي، وهذا الأمر يعد بحد ذاته دليلاً آخر على حسن نوايا دولة الكويت تجاه دول المنطقة لاسيّما دول الجوار.
خلاصة يمكن القول بأن الوساطات التي تقوم بها الكويت لتسوية الخلافات بين دول المنطقة تعد نموذجاً ينبغي الاقتداء به من قبل كافة الدول الإقليمية، وهذا الأمر يتطلب التحلي بالحيادية والقدرة الدبلوماسية على لعب هذا الدور؛ إذ يعتبر الحياد والوقوف على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة من أهم شروط نجاح مهمة الوسيط.