الوقت- تشهد الجبهة الداخليّة اليمنيّة تغيّرات سياسيّة هي الأبرز منذ بدء العدوان السعودي على اليمن. وتتلخّص ظواهر هذه التغيّرات بخلافات سياسيّة بين حركة أنصار الله من جهة، وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس علي عبد الله صالح من جهة أخرى.
لا شكّ أن التحالف القائم بين هذين الحزبين قد جنّب اليمن نتائج كارثية، وهناك تأكيد من الجانبين على عمق العلاقة، ليس آخرها ما قاله صالح خلال لقاء مع قيادات من حزب المؤتمر الشعبي العام وشخصيات يمنية حول عمق تحالفه مع حركة أنصار الله، محذرا في الوقت عينه، ممن يسعون لإثارة الفوضى والفتنة في العاصمة صنعاء. لم يكتفي صالح بذلك، بل أكّد على أن مهرجان الغد بذكر تأسيس المؤتمر الشعبي لا يمكن أن يكون موجهاً ضد شركائه، وإنما ضد التحالف العربي ومن يقف معه أو يصعد لإثارة الفتنة الداخلية، مضيفاً: إن "الطابور الخامس يقف وراء التوتر الحادث بين حزب المؤتمر الشعبي العام وجماعة أنصار الله، عبر تفكيك الجبهة الداخلية خدمة للتحالف".
لكن صالح نفسه الذي أكّد على عمق العلاقة مع حركة أنصار الله، وصف اللجان الشعبية بالميليشيا، لتردّ عليه الأخيرة ببيان قاس اعتبرت فيه ان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تجاوز كل الخطوط الحمراء عندما وصفها بالمليشيا، مؤكدة " إنها قوة شعبية وطنية في طليعة المعركة التاريخية إلى جانب الجيش في مواجهة عدوان هو الأخطر على اليمن فتأتي الطعنة من الظهر بأن توصف بأنها ميليشيا فذلك هو الغدر بعينه"، وفق البيان.
ما هي الأسباب التي تفسّر هذه التبدّل في مواقف صالح الذي أكّد الليلة استعداده للحوار مع دول العدوان ممثلة بالمملكة العربية السعودية؟ وما هي المفاجئة الكبرى التي سيطلقها المؤتمر في مهرجان اليوم وفق رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام؟
لا يمكن اختزال الإجابة على هذه الأسئلة والتطوّرات التي يشهدها الداخل اليمني بنقطة واحدة، بل لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: تعدّ دولة الإمارات المسؤول الأبرز عن التغييرات الحاصلة في موقف الرئيس علي عبد الله صالح، ففي حين يتداول اسم نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، "أحمد علي"، كمقترح لبعض أطراف الصراع كرئيس في مرحلة ما بعد الحرب مع وجود بعض التحفظات، إلا أن هناك أخبار عن وعود بعودته إلى قيادة الحرس الجمهوري، وبالتالي خروجه من "الإقامة الجبرية"، كما يروّج، بعد أن كان سفيراً في دولة الإمارات. أي لا وجود أي دور للسعوديّة في هذا الأمر. وبالتالي قد تكون المفاجأة الكبيرة التي سيعلن عنها اليوم في الذكري لــ” 35 لتأسيس المؤتمر عودة احمد على عبدالله إلى قيادة الحرس الجمهوري، وربّما حضوره بين المحتشدين، ولو كان الأمر مستبعداً.
ثانياً: الوعود الإماراتية دفعت بالرئيس صالح للمناورة في موقفه السياسي تحت شعار" نعم للوسطية والاعتدال" المرفوع في ميدان السبعين، إلا أن وصول نجل صالح إلى قيادة الحرس الجمهوري ستجعله في مواجهة قوى العدوان دفاعاً عن وطنه في حال فشل الحل السياسي. أنصار الله أبدت عبر الكلمة الأخيرة لزعيمها السيد عبد الملك الحوثي استعدادها لأي حلّ سياسي يحفظ دماء اليمنيين، وبالتالي في حال فشل صالح في الحوار مع السعوديّة، هذا يعني أنّ نجل صالح سيواجه قوى العدوان بصورة مباشرة، الأمر الذي يصبّ في صالح حركة أنصار الله، باعتبار أن المؤتمر لم يشارك بشكل عسكري واضح في مواجهة العدوان.
ثالثاً: ويبدو أن مقتضيات المشروع الإماراتي الجديد تفرض على أعضاء في البرلمان اليمني تابعين للمؤتمر الشعبي بالتوجّه نجو الرياض حيث يسعى محمد بن سلمان استقطابهم لتلافي أي نتائج وتبعات كارثية بعد وقف العدوان كفتح تحقيقات أممية والمطالبة بالتعويضات. كما أن صالح قد أوضح أنّه على "استعداد للحوار الشجاع مع الأشقاء في السعودية". لكن صالح شدّد على إلغاء القرار الأممي 2216 للبدء في الحوار، ووضع المبادرات السابقة على طاولة الحوار، وقال “نأخذ ما يجب أن نأخذه لمصلحة اليمن ومصلحة دول الجوار، دول الجوار التي تشن عدواناً على اليمن بدون أي مسوّغ قانوني وبدون أي مبرر".
رابعاً: يبدو واضحاً وجود مشروع لشقّ الصف الداخلي اليمني وتضخيم الخلافات، إلا أن اعتداءات اليوم، الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها قوى العدوان ليلة صباح الأربعاء في مديرية أرحب والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى، هي لفت لنظر الجميع إلى الأولويات التي يجب أن تكون محط اهتمام الجميع، وفق بيان السيد الحوثي. وفي حين طالب السيد الحوثي بحماية فعاليات حزب المؤتمر الشعبي العام، بصنعاء، دعا أنصار الله والمؤتمر إلى "التعاطي بمسؤولية في يوم الغد، والحذر من مساعي الأعداء على شق الصف الوطني وإثارة الفتن الداخلية، وعدم السماح نهائياً لأي عميل أو عابث بإثارة أي فتنة".
في الخلاصة، وفيما نرى في أدبيات السيد الحوثي التصدي للعدوان على الصعيد العسكري، دون إغلاق الباب السياسي، يسعى صالح لطرح الخيار السياسي في التصدّي للعدوان ابتداءً دون أيّ إشارة منه إليها باعتبار أن هناك من يتكفّل بها، فهل هو تكامل أدوار أم اختلاف رؤى؟