الوقت- أعادت الأحداث الأمنية التي شهدها العراق بعد سيطرة داعش على الكثير من مناطقه، فتح باب النقاش حول موضوع الإنفصال وتأسيس دولة مستقلة من قبل بعض المكونات الكردية، نقول "بعض المكونات" لأن موضوع الإنفصال لم يحظى بإجماع الأحزاب الكردية. بالإضافة إلى العديد من الدول التي اعترض بعضها على أصل المشروع كإيران و العراق، والبعض الآخر على التوقيت الغير مناسب كما فعلت أمريكا. في المقابل هناك دول أخرى رحبت وشجعت كالإمارات التي وعدت بالتعاون بمسألة صياغة دستور جديد، وإسرائيل التي عملت على بلورة المشروع ودعمت البرزاني ووعدته بالضغط عبر اللوبي الصهيوني في أمريكا "إيباك"، لما تنتظره من فوائد عسكرية و استخباراتية و اقتصادية من خلال الإنفصال. ولكن ما هي الموانع التي تمثل عقبة أمام الإنفصال ولو حدث الإستفتاء عليه والمقرر في 25 أيلول من العام الجاري؟ وما هي آفاق هذا الطرح وحظوظ تنفيذه على أرض الواقع؟
قد يكون الجانب التركي الأكثر قلقا من مشروع الإنفصال، فبالنسبة لتركيا فإن حزب "الإتحاد الديمقراطي" كما حزب "العمال الديمقراطي" من حيث التصنيف، و هي تعتبر بأن الحزبان إرهابيان لا يمكن عقد صلح معهم أو الحديث عن السلام كما ذكر نائب رئيس الوزراء "بكير بوزداغ" في تصريح له بعد جلسة الحكومة الأسبوع الماضي حيث شدد على رفض أنقرة موضوع الإستفتاء على الإنفصال. مضيفا بأن " وجهت تحذيراتها في هذا الشأن بطريقة ودية.. لن نسمح بإنشاء ممر إرهابي في المنطقة على الإطلاق، ولن نتغاضى عن الأمر"، موضحاً أن بلاده "جاهزة لجميع السيناريوهات التي ستتحتم على أي تهديد يستهدف وحدتها القومية".
ويبدو أن الدبلوماسية التركية متقاربة مع نظيرتها الإيرانية حول مواضيع سوريا والعراق ما انعكس تنسيقا متتابعا على الصعيد العسكري والإستخباراتي . وجاءت زيارة رئيس أركان القوات الإيرانية "العميد باقري" لتأكيد هذا الإنسجام حيث تم الإتفاق على عدم صوابية الإستفتاء، كذلك تم بحث موضوع سيطرة حزب "العمال الكردستاني" على مناطق واسعة من سوريا بدعم أمريكي، وجرى بحث الهاجس التركي من سيطرة الإتحاد الكردي على منطقة عفرين شمال حلب، ومسألة تحرير إدلب وغيرها من المواضيع العالقة.
الموقف الأمريكي يعارض الإستفتاء على الإنفصال في الوقت الحالي، فقد طلب وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" يوم الجمعة الماضي من البرزاني عدم الإقدام على هذه الخطوة لأن التوقيت غير مناسب والأولوية للقضاء على داعش حسب زعمه، كما طلب منه البقاء على اتصال مع الحكومة الإتحادية في بغداد، كذلك جرى الحديث عن قطع المعونات الأمريكية في حال عدم تأجيل الإستفتاء.
المعوقات الداخلية التي تحول دون الإنفصال حيث أن الخلاف بين مؤيد ومعارض ينفي صفة الإجماع عن هذا الطرح. ويتصدر أكبر الداعين إلى الإنفصال أكبر الأحزاب السياسية تمثيلا في البرلمان الكردي، الحزب "الديمقراطي الكردستاني" برئاسة مسعود البرزاني، ومعه أحزاب سياسية أخرى مثل "الحزب الاشتراكي". بينما تتحفظ أحزاب أخرى تعتبر بأن التوقيت لهكذا مشروع ليس مناسبا، وبأن هذه الخطوة بحاجة الى التشاور مع إيران وتركيا قبل طرحها للإستفتاء لضمان حل إشكالية المناطق المتنازع عليها و تجنّب أية مخاطر.
تشكل المناطق المتنازع عليها مشكلة قد تجر الحكومة العراقية لاستعمال القوة لاستردادها من الأكراد كمدينة كركوك الغنية بالنفط والتي يتنازع عليها الأكراد و التركمان والعرب. أما فيما يخص المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش كالموصل، طلبت الدولة العراقية باسترجاعها واعادة السيطرة عليها ورفضت تكتيك تمركز القوات الكردية فيها لاستعمالها كورقة قوة في أي مفاوضات لاحقة.
نزوح حوالي مليون لاجىء إلى إقليم كردستان، و انخفاض أسعار النفط عالميا، شكّل أزمة بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان، حيث تواجه حكومتها صعوبة في دفع رواتب الموظفين منذ أشهر، ألى جانب تعطيل البرلمان الكردستاني لأكثر من سنة.
تطالب قوى كردية وازنة بإجراء انتخابات نيابية و رئاسية قبل الإستفتاء وهو ما يخشاه البرزانيالذي لا يفكر بالتخلي عن السلطة و الحكم، الذي تسيطر عليه عشيرته إلى حد كبير .
وفي المحصّلة فإن "عشيرة البرزاني" القابضة على الحكم في إقليم كردستان ترى في مشروع الإنفصال خشبة الخلاص التي ستنقذ حكمهم بعد الفشل الكبير الذي راكموه على مدى الأعوام الأخيرة، ولكن مشروعهم يعاني قبل ولادته من الداخل قبل الخارج، فلو سلمنا بفرضية التوافق الداخلي على نظام الحكم، فإن تركيا و العراق خصوصا لن يقبلوا بالإنفصال، ما يعني أن النفط الذي يعتمد عليه إقليم كردستان بشكل رئيسي لن يمر لا عبر الأراضي العراقية و لا التركية، هذا أبسط مثال، والأمثلة كثيرة قد نتناولها في محطات لاحقة.