الوقت- "سايكس بيكو" التي جرت عام 1916 والتي استهدفت بعض البلدان العربية لتقسيمها لم تُعلن نهايتها فلقد بدأ مشروع تنفيذ "سايكس بيكو الجديدة" والذي يختلف عن الاتفاقية القديمة من الحيثية المكانية والزمانية اضافة الى اختلاف المخطط والمنفذ، فسايكس بيكو عام 1916 خططت لها فرنسا وبريطانيا وهدفت الى تقسيم بعض الدول العربية اما سايكس بيكو الجديدة فانها تستهدف دول غرب آسيا اضافة الى أنها تختلف كليا عن الاتفاقية الأولى من حيث استراتيجية التنفيذ والمنفذ.
سايكس بيكو الجديدة التي تواجهها المنطقة تظهر علاماتها في تصريحات المسؤولين الأمريكيين وخاصة الجمهوريين منهم، وهذا ما أشار اليه المندوب الامريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون في تصريح أدلى به لوكالة فوكس نيوز حيث قال: "على واشنطن أن تقوم بتأسيس دولة سنية غرب العراق وشرق سوريا بحيث تكون هذه الدولة بعيدة عن التطرف".
يظهر من خلال تصريح بولتون أن السياسة الأمريكية تسعى لتقسيم المنطقة تقسيماً طائفياً فمن البديهي ان مقابل دولة سنية سيكون هناك دولة شيعية ومقابل هاتين الدولتين ستكون دولة مسيحية ودولة تشمل الأقليات المتبقية، واضافةً الى التقسيم الطائفي تسعى امريكا الى افتعال تقسيم اخر يقوم على المبنى العرقي كدعم تشكيل دولة كردية. الى ذلك كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في سبتمبر 2013 عن مخطط تقسيم الشرق الأوسط، ونشرت خريطة لـ5 دول عربية ستقسم إلى 14 دولة، وهي السعودية والعراق وسوريا واليمن وليبيا وأخفت الخريطة مصر والسودان ودول المغرب العربي.
وما يؤكد هذا السيناريو ما أشارت إليه الدراسة التي نشرتها مجلة "ارميد فورسز جورنال" التابعة للقوات المسلحة الأمريكية في تموز 2006 تحت عنوان "حدود الدم: كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل" للكاتب رالف بيترز (وهو ضابط بالجيش الأمريكي من مواليد 1952، وصل لمنصب نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية في وزارة الدفاع) عن ضرورة إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتقسيم دوله إلى دول أو دويلات جديدة.
ودعا رالف بيترز في هذه الدراسة التي وُصفت بـ"الأخطر استراتيجيًا"، إلى "تصحيح الحدود الخاطئة" في الحوض الإسلامي واستبدالها بحدود أخرى "صحيحة" يسميها بـ"حدود الدم"، وهذا يوضح أن الحروب هي وسيلة امريكا لتقسيم المنطقة.
واللافت أنه في هذه المرة لن تكون الحروب التي ستعتمدها امريكا مباشرة بل ستكون حرباً بالوكالة والتي ينفذها الآن تنظيم داعش الارهابي الذي خلط الأوراق واحتل المناطق الواقعة شرق سوريا وغرب العراق تمهيداً لعمليات التقسيم التي تنوي امريكا تنفيذها، ومن الملاحظ أن تنظيم داعش يعمل على إضعاف القوى العسكرية في المنطقة كما أنه يسعى الى إنهاك الشعوب وإرهابها لتظهر أمريكا في النهاية ومعها مخطط التقسيم لتبدو وكأنها المنقذ للمنطقة.
والجدير بالذكر أن الارتباط بين داعش وأمريكا ليس بمخفي ففي العراق رغم أن ضربات الطائرات الأمريكية كانت محدودة، لكنها أسفرت عن انسحاب سريع للمسلحين باتجاه مناطق أخرى في حين لم تتمكن ضربات المقاتلات العراقية المتكررة من تحقيق نتيجة مماثلة، اضافة الى أن الطائرات الأمريكية رمت السلاح لدعش مرات عديدة.
أما عن هدف أمريكا من التقسيم فهو تفتيت المنطقة الى دويلات صغيرة ضعيفة متنازعة فيما بينها ما يبقي لأمريكا سيطرة عليها وهكذا تحفظ امريكا مصالحها في المنطقة دون أن يكون هناك أي دور فعال لهذه الدويلات بسبب ضعفها واقتتالها وهذا ما يؤكده النائب عن التحالف الوطني العراقي رزاق الغضبان الذي أكد أن "العراق سيصبح ثلاث دويلات متناحرة فيما بينها على المصالح الخاصة والثروات الطبيعية فضلا عن التركة الثقيلة للشحن الطائفي والعرقي"، واضاف رزاق "ان هذه الدويلات سيصيبها الاقتتال الداخلي لوجود تيارات سياسية وايدلوجيات متعددة تحاول التسلط والتزعم والسيطرة على مقاليد الحكم".
اذاً سايكس بيكو عام 1916 حصلت خلال اتفاق بريطاني-فرنسي أما سايكس بيكو الجديدة فتتم وفق مخطط أمريكي يهدف الى تقسيم المنطقة وفق اسس عرقية ودينية، وتستخدم الادارة الامريكية لتحقيق حلمها كل الوسائل المتاحة كإشعال الحروب بالنيابة ومحاولة إعطائها صفات طائفية أحياناً وعرقية أحياناً أخرى، وكل ذلك من مبدأ "فرق تسد"، والجدير بالذكر أن كل هذا يتم على حساب وحدة أبناء المنطقة وأمنهم وسلمهم.