الوقت- تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية تصعيداً ملحوظاً بعد أن لوّحت الأحزاب الحريدية بتهديد مباشر لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بحلّ الكنيست، في خطوة تعكس عمق الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، هذا التهديد لا يأتي من فراغ، بل هو نتاج تراكم طويل من الخلافات السياسية والتشريعية، وخاصة تلك المرتبطة بقضايا حساسة تمسّ جوهر العلاقة بين الدين والدولة، الحريديم، الذين يشكّلون ركيزة أساسية في بقاء الحكومة الحالية، يرون أن نتنياهو لم يفِ بتعهداته السابقة، أو على الأقل لم يقدّم ضمانات كافية للحفاظ على مصالحهم السياسية والدينية، ما دفعهم لاستخدام ورقة الضغط الأخطر: إسقاط الكنيست.
جوهر الخلاف بين الحريديم ونتنياهو
تكمن القضية الأساسية في خلافات تتعلق بتشريعات محورية، أبرزها القوانين المرتبطة بالتجنيد الإجباري، والميزانيات المخصصة للمؤسسات الدينية، إضافة إلى مكانة الحريديم داخل النظام السياسي، الأحزاب الحريدية تخشى أن تؤدي أي تنازلات من جانب نتنياهو لشركائه الآخرين أو للضغوط الداخلية والخارجية إلى المساس بنفوذها التقليدي، من وجهة نظرهم، فإن استمرار الوضع الحالي دون حسم واضح يُعد تهديداً مباشراً لنمط حياتهم ولمكتسباتهم السياسية، أما نتنياهو، فيجد نفسه عالقاً بين مطالب متناقضة داخل ائتلاف هش، يحاول الحفاظ عليه في ظل أزمات متلاحقة.
هشاشة الائتلاف كعامل ضغط دائم
يعكس تصاعد الخلاف مع الحريديم طبيعة النظام السياسي القائم على ائتلافات هشة قابلة للانفجار في أي لحظة، فالقوة التي تمتلكها الأحزاب الصغيرة لا تنبع من حجمها الشعبي بقدر ما تنبع من قدرتها على ترجيح كفة الحكم، هذا الواقع يمنح الحريديم أدوات ضغط فعالة تجعل تهديد حل الكنيست خياراً سياسياً مؤثراً، في المقابل يدرك نتنياهو أن أي خلل في التوازن قد يفتح الباب أمام مرحلة من عدم اليقين السياسي ويقوض استمرارية حكومته في ظرف حساس، ويزيد ذلك من تعقيد المشهد العام ويعكس هشاشة التحالفات الحاكمة في "إسرائيل" المعاصرة تحت ضغوط متزايدة ومتغيرة داخلياً وخارجياً مستمرة تؤثر على القرار السياسي العام للدولة.
تهديد حلّ الكنيست: بين الجدية والمناورة
يطرح هذا التهديد تساؤلاً جوهرياً حول مدى جديته: هل الحريديم مستعدون فعلاً للذهاب نحو حلّ الكنيست، أم إن الأمر لا يعدو كونه أداة ضغط سياسية؟ تاريخ الحياة السياسية الإسرائيلية يشير إلى أن مثل هذه التهديدات غالباً ما تُستخدم لتحسين شروط التفاوض، لا للوصول بالضرورة إلى انتخابات مبكرة. ومع ذلك، فإن حساسية المرحلة الحالية، وتعدد الأزمات التي تواجه الحكومة، يمنح هذا التهديد وزناً أكبر من المعتاد. فحلّ الكنيست بات خياراً مطروحاً على الطاولة، حتى لو لم يكن الخيار المفضل لجميع الأطراف.
حسابات الانتخابات ومخاوف المرحلة المقبلة
احتمال حل الكنيست لا يرتبط فقط برغبة الحريديم بل يتأثر بحسابات أوسع تشمل الرأي العام ومواقف بقية الشركاء، فالدعوة إلى انتخابات مبكرة تحمل مخاطر كبيرة لجميع الأطراف في ظل حالة استقطاب حاد، كما أن الناخب الإسرائيلي يظهر تقلباً واضحاً في توجهاته ما يجعل النتائج غير مضمونة، لذلك تميل القوى السياسية إلى استخدام التهديد كوسيلة تفاوض لا كخيار نهائي إلا إذا انسدت جميع السبل، وتبقى الحسابات الشخصية والائتلافية عاملاً حاسماً في تحديد مسار الأزمة المقبلة وتوقيتها وحدودها السياسية وتأثيرها المباشر على الاستقرار الحكومي والبرلماني في المرحلة القادمة القريبة والمتوسطة وسط أزمات متلاحقة داخلية وخارجية متشابكة ومعقدة تؤثر في صنع القرار الوطني.
انعكاسات محتملة على استقرار الحكومة
في حال تصاعد الأزمة وتحول التهديد إلى واقع، فإن الحكومة ستدخل مرحلة من عدم الاستقرار العميق، حلّ الكنيست يعني تفكك الائتلاف والدخول في دوامة سياسية جديدة، قد تعيد خلط الأوراق بالكامل، مثل هذا السيناريو سيؤثر على قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات استراتيجية، ويعطل مشاريع تشريعية واقتصادية مهمة، كما أن استمرار التوتر دون حل قد يؤدي إلى شلل سياسي جزئي، حيث تزداد الخلافات الداخلية وتتراجع فاعلية مؤسسات الحكم، ما ينعكس سلباً على المشهد العام.
حسابات نتنياهو بين التنازل والمواجهة
يقف نتنياهو أمام معادلة صعبة: إما تقديم تنازلات للحريديم للحفاظ على بقاء حكومته، أو المخاطرة بمواجهة سياسية قد تنتهي بحلّ الكنيست، كلا الخيارين يحملان أثماناً سياسية، التنازل قد يُضعف موقعه أمام شركاء آخرين ويثير انتقادات داخلية، بينما المواجهة قد تقوده إلى انتخابات مبكرة في ظرف سياسي غير مضمون النتائج، لذلك، من المرجح أن يسعى نتنياهو إلى كسب الوقت، ومحاولة احتواء الأزمة عبر مفاوضات خلف الكواليس، دون الذهاب إلى صدام مفتوح في المرحلة الراهنة.
أزمة متكررة تعكس خللاً بنيوياً أعمق
في المحصلة تكشف الأزمة الحالية أن مستقبل الحكومة مرهون بقدرتها على إدارة التناقضات لا بحسمها، فالتسويات المؤقتة قد تؤجل الانفجار لكنها لا تلغي أسبابه العميقة، استمرار هذا النهج يعني بقاء التهديد قائماً وقابلاً للتكرار مع كل استحقاق سياسي جديد، ومن هنا تبدو أزمة حل الكنيست مؤشراً على خلل بنيوي أوسع في آلية الحكم يفرض تحديات دائمة على أي قيادة مقبلة في النظام السياسي القائم ويعكس حاجة ملحة لإعادة تقييم أسس الشراكة والتمثيل والاستقرار الحكومي بما يضمن توازناً أطول أمداً بين المصالح المتعارضة داخل مؤسسات الدولة الرسمية والتشريعية والتنفيذية مستقبلاً قريباً وبعيداً نسبياً دون أزمات متكررة تهدد استمرارية الحكم السياسي العام.
مستقبل المسار السياسي في ظل الأزمة الحالية
مستقبل هذا المسار يبقى مفتوحاً على عدة احتمالات، تتراوح بين التوصل إلى تسوية مؤقتة تُرضي الحريديم، وبين انفجار الأزمة بشكل كامل، المؤكد أن هذه الأزمة تعكس هشاشة الائتلافات السياسية، واعتماد الحكومات بشكل كبير على توازنات دقيقة بين شركاء متناقضين في الرؤى والأهداف، حتى لو تم احتواء التهديد في المدى القريب، فإن جذور الخلاف ستبقى قائمة، ما يجعل احتمال عودة الأزمة في أي لحظة أمراً وارداً، وعليه، فإن تهديد الحريديم لا يُعد حدثاً عابراً، بل مؤشراً على مرحلة سياسية مضطربة قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة.
