الوقت- مع اقتراب العام الثاني من الحرب في غزة، ووصول الأزمة الإنسانية في هذا القطاع المدمر إلى نقطة انفجار، سيجتمع قادة العديد من دول العالم في نيويورك، مقر انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ابتداءً من غدٍ، 21 سبتمبر/أيلول، لمناقشة حلٍّ يوقف الإبادة الجماعية وينهي الحرب، والأهم من ذلك، الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. ستكون حرب غزة هذا العام القضية الأهم في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما أنه في ظل الدعم الأحادي الجانب من الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، لم تصل جميع المبادرات والإجراءات الدولية لدول مجلس الأمن إلى طريق مسدود فحسب، بل وسّع هذا الكيان نطاق عدوانه وجرائمه ليشمل دولًا أخرى في المنطقة، مما يُعرّض أسس السلام والاستقرار الإقليمي والدولي للخطر.
وجاء آخر فيتو أمريكي ضد قرارات وقف إطلاق النار في غزة يوم الجمعة الماضي، بعد أيام قليلة من الهجوم الإسرائيلي العدواني على الدوحة، عاصمة قطر، والذي قوبل بإدانة دولية واسعة النطاق. ودعا القرار، الذي أيده 14 عضوًا آخر في مجلس الأمن، إلى وقف فوري للحرب وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة.
وتتبلور الآن حركة دبلوماسية جديدة ردًا على هذا الطريق المسدود. ووفقًا لوكالة فرانس برس، سيُعقد مؤتمر على هامش اجتماعات الأمم المتحدة يوم الاثنين، حيث من المتوقع أن تُعلن عدة دول، من بينها فرنسا، رسميًا موقفها من الاعتراف بدولة فلسطين. أكد مستشار الرئيس ماكرون أن "عشر دول قررت الاعتراف بدولة فلسطين" ستشارك في المؤتمر الذي سيُعقد يوم الاثنين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ووفقًا للمصدر نفسه، فإن هذه الدول هي فرنسا، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، والبرتغال، ومالطا، وأندورا، وسان مارينو. وأضاف المصدر الفرنسي أن ماكرون سيلقي كلمة في المؤتمر، الذي يرأسه بالاشتراك مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسيعلن رسميًا الاعتراف بدولة فلسطين.
أكثر من 145 دولة وأربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن
تأتي هذه الخطوة الدبلوماسية في وقت يعود فيه تاريخ الاعتراف بفلسطين إلى عام 1988. أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية استقلال دولة فلسطين عام 1988، وسارعت معظم دول الجنوب العالمي إلى الاعتراف بها. واليوم، تعترف 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين. كانت المكسيك أحدث دولة تعترف بدولة فلسطين، وذلك في يناير/كانون الثاني 2025.
ويتمتع الوفد الممثل لدولة فلسطين رسميًا بصفة مراقب دائم، ولكنه لا يتمتع بحقوق التصويت في الأمم المتحدة. وبغض النظر عن عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، فإن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث دأبت واشنطن على عرقلة ذلك باستخدام حق النقض (الفيتو). ومع انضمام بريطانيا وفرنسا إلى قائمة الدول الداعمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، يميل ميزان القوى في مجلس الأمن الآن ضد إسرائيل تمامًا، حيث اعترفت أربع من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بدولة فلسطين.
غضب تل أبيب وواشنطن
أفاد موقع "بوليتيكو" الأمريكي، نقلًا عن مسؤولين أوروبيين، أن إسرائيل تُعدّ عدة خيارات للرد على اعتراف فرنسا ودول أخرى بدولة فلسطين. قد تشمل هذه الخيارات تسريع ضم الضفة الغربية المحتلة، وإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، و"الاعتداء على المواقع الفرنسية في إسرائيل، مثل مزار إليوناس المسيحي". وفي وقت سابق، هدد مسؤولون صهاينة بضم الضفة الغربية ردًا على نية جهات غربية، منها باريس، الاعتراف بدولة فلسطين. وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل لن تتنازل أبدًا عن السيطرة الأمنية المطلقة على غزة أو الضفة الغربية.
واعتبرت الدول الأوروبية محاولة الحكومة الصهيونية تغيير الوضع التاريخي للضفة الغربية أحد الأسباب الرئيسية لتغيير موقفها من الاعتراف بدولة فلسطين. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الفرنسي في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية إن بناء المستوطنات في الضفة الغربية يُظهر أن الهدف ليس تدمير حماس، بل تدمير حل الدولتين.
وتتخذ معظم البعثات الدبلوماسية الرئيسية للقوى الكبرى من تل أبيب مقرًا لها لأنها لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. بعد نقل سفارتها إلى القدس خلال إدارة ترامب الأولى، حاولت الولايات المتحدة تعزيز مطالبات النظام الصهيوني بالقدس على الساحة الدولية، لكنها فشلت.
ولا تزال حوالي 40 دولة لديها مكاتب قنصلية في رام الله في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية، وهي منطقة لم يعترف المجتمع الدولي بضمها من قبل إسرائيل والتي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم. إلى جانب النظام الصهيوني، عارضت الولايات المتحدة بشدة أي خطوة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وردّت على هذه الخطوة بفرض عقوبات على المسؤولين الفلسطينيين، شملت إلغاء التأشيرات ومنع الدخول، لمنع عباس وشخصيات أخرى من السلطة الفلسطينية من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
الاعتراف بفلسطين: حقيقي أم رمزي؟
هناك وجهتا نظر حول آثار اجتماع الدولتين في الأمم المتحدة وانضمام دول أوروبية جديدة، وخاصة فرنسا والمملكة المتحدة، إلى تغيير المعادلات السياسية والميدانية على الساحة الفلسطينية. يشير البعض إلى أن هذه الخطوة رمزية بالدرجة الأولى ولن تُحدث تغييرًا فوريًا في الوضع على الأرض. وأكدت الدول الأوروبية أن هدفها الرئيسي من هذه الخطوة هو الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة، والحد من بناء المستوطنات اليهودية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، والعودة إلى عملية السلام مع الفلسطينيين.
ولم تتفاوض إسرائيل والفلسطينيون منذ عام ٢٠١٤، ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا. يشير من يعتبرون الاعتراف رمزيًا إلى حد كبير إلى الوجود والنفوذ المحدودين لدول مثل الصين والهند وروسيا والعديد من الدول العربية التي اعترفت بفلسطين قبل عقود. وبدون مقعد كامل في الأمم المتحدة أو سيطرة على حدودها، فإن قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة العلاقات الثنائية محدودة. لا توجد بعثات أجنبية لها سفارات في الأراضي الفلسطينية، ولا تتمتع الدول بحرية إرسال دبلوماسيين إليها.
وتقيد إسرائيل التجارة والاستثمار والتبادل التعليمي والثقافي. لا يوجد مطار للفلسطينيين، والضفة الغربية غير الساحلية متصلة بالأردن فقط عبر إسرائيل أو عبر حدود يسيطر عليها النظام. يسيطر النظام الإسرائيلي على جميع المنافذ المؤدية إلى قطاع غزة عن طريق البحر وحتى معبر رفح مع مصر.
مع ذلك، تقول الدول التي تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحتى السلطة الفلسطينية نفسها، إن هذا لن يكون سوى بادرة لا معنى لها وغير فعالة. وصرح حسام زملط، السفير الفلسطيني لدى بريطانيا، بأن مثل هذا الاعتراف قد يؤدي إلى شراكات استراتيجية، وفقًا لرويترز.