الوقت- تعيش مدينة إيلات الواقعة على البحر الأحمر في أقصى جنوب الأراضي المحتلة وضعاً بالغ التعقيد في ضوء التصعيد العسكري الأخير الذي تقوده جماعة أنصار الله اليمنية، فقد تعرض الميناء والمدينة لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة أسفرت عن إصابات بشرية وأضرار مادية وأثارت حالة واسعة من القلق في الإعلام العبري.
في الرابع والعشرين من سبتمبر 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرة مسيرة أطلقت من اليمن تمكنت من اختراق منظومات الدفاع الجوي والوصول إلى محيط إيلات، ما أدى إلى إصابة اثنين وعشرين شخصاً بينهم حالتان وُصفتا بالخطيرة، وهو ما أكدته «الجزيرة»، هذه الحادثة لم تكن الأولى، إذ تكررت خلال الأسابيع الأخيرة ضربات مشابهة على المنطقة نفسها، ما دفع الإعلام العبري إلى الحديث عن «وضع خطير» يهدد الميناء ونشاطه التجاري.
وقائع الهجمات وتداعياتها المباشرة
تحدثت تقارير صحفية عن إصابة مبنى فندق «كلوب هوتل» الشهير في إيلات بعد أن اخترقت إحدى الطائرات المسيّرة الدفاعات الجوية، مسببة إصابات بين المدنيين وأضراراً مادية كبيرة، كما أشارت مصادر محلية إلى انقطاع الكهرباء في أجزاء من المدينة جراء إصابة منشآت خدمية قرب المرفأ، وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن عدداً من السفن التجارية أوقفت رحلاتها أو عدلت مسارها بعيداً عن الميناء تجنباً لأي مخاطر محتملة، وهو ما يضاعف الخسائر الاقتصادية، هذه التطورات جعلت من إيلات نقطة توتر استراتيجي، ليس فقط على المستوى الأمني بل أيضاً على صعيد التجارة والاقتصاد.
الأهداف الاستراتيجية للحوثيين
تحليلات متعددة أشارت إلى أن الحوثيين لا يركزون على إحداث خسائر بشرية فحسب، بل يسعون إلى توجيه ضربات ذات بعد اقتصادي عميق، فالميناء يمثل البوابة الجنوبية الوحيدة لـ"إسرائيل" على البحر الأحمر، ويُعد شرياناً حيوياً للتجارة مع آسيا، وعليه فإن تعطيله يترك انعكاسات مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي.
صحيفة «إيرنا» الإيرانية الرسمية أوضحت أن الحوثيين يعتمدون على استراتيجية الاستنزاف، حيث تجبر الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة المنظومات الدفاعية الإسرائيلية على تشغيل القبة الحديدية وغيرها من الوسائل الباهظة، ما يفاقم الضغط على ميزانية الدفاع، هذه المعادلة توضح أن الهدف يتجاوز مجرد ضربات رمزية ليصل إلى محاولة إحداث خلل في ميزان القوى على المدى الطويل.
الاختبار الصعب للدفاعات الإسرائيلية
نجاح بعض الطائرات في اختراق أنظمة الاعتراض أظهر ثغرات مقلقة في الدفاعات الجوية الإسرائيلية، الأمر الذي أثار نقاشاً داخلياً واسعاً حول كفاءة هذه المنظومات، صحيفة «أسوشييتد برس» وصفت الضربة الأخيرة بأنها من الحالات النادرة التي فشلت فيها "إسرائيل" في صد الطائرات المسيّرة، وهو ما منحها طابعاً استثنائياً وأدى إلى نقاشات عسكرية حول تطوير وسائل أكثر فعالية لمواجهة هذا النوع من التهديدات، الضغط النفسي الناتج عن هذه الخروقات يعمّق شعور المستوطنين بانعدام الأمان ويؤثر سلباً في معنوياتهم، وخاصة في مدينة سياحية مثل إيلات التي تعتمد بشكل كبير على الاستقرار الأمني لجذب الزوار.
الأبعاد الاقتصادية والأمن البحري
تأثير الهجمات على الميناء بدا واضحاً، إذ إن أي اضطراب في نشاطه يفرض تكاليف إضافية على شركات النقل الإسرائيلية، سواء عبر تعديل المسارات أو من خلال ارتفاع أسعار التأمين البحري، بعض السفن التجارية فضلت التوجه إلى موانئ بديلة أو تأجيل شحناتها، ما يعني خسائر مباشرة في حركة الاستيراد والتصدير، إيلات يشكل مساراً استراتيجياً بديلاً عن قناة السويس، وتعطيله يفرض على الكيان البحث عن بدائل مكلفة، إلى جانب ذلك، فإن السياحة المحلية تأثرت سلباً، حيث تراجعت الحجوزات في الفنادق والمنتجعات عقب الحوادث الأخيرة، ما يعني خسارة قطاع اقتصادي مهم للمدينة.
ردود إسرائيلية واحتمالات التصعيد
رد "إسرائيل" لم يتأخر، إذ شنت غارات جوية على العاصمة اليمنية صنعاء بعد يوم واحد من الهجوم على إيلات، مستهدفة مواقع قالت إنها تابعة للحوثيين، غير أن مثل هذه الضربات تفتح الباب أمام مزيد من التصعيد المتبادل، حيث توعد الحوثيون بالرد واستمرار العمليات، وفي حال واصلوا تكثيف هجماتهم، ستجد "إسرائيل" نفسها مضطرة لتعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر أو حتى تقليص الاعتماد على إيلات كميناء محوري، وفي كل الأحوال، فإن تكاليف الحماية العسكرية ستكون باهظة، بينما يستمر الاستنزاف على الأرض.
مستقبل المواجهة
يمكن القول إن ما يجري في إيلات يمثل نموذجاً لحروب غير متماثلة، حيث تتمكن جماعة مسلحة من استخدام تكنولوجيا بسيطة نسبياً لتهديد دولة ذات جيش متطور، هذا النوع من المواجهة يجبر "إسرائيل" على إنفاق موارد هائلة لتأمين منطقة جغرافية صغيرة لكنها شديدة الأهمية، على المدى القريب، ستسعى "اسرائيل" إلى تعزيز دفاعاتها الجوية والبحرية وربما تطوير تقنيات جديدة للتصدي للأسراب الصغيرة من الطائرات المسيّرة، لكن ذلك يتطلب وقتاً وميزانيات ضخمة.
في المقابل، سيواصل الحوثيون استثمار نجاحاتهم لتعزيز موقعهم السياسي والإقليمي ضمن محور أوسع يتبنى استراتيجية الضغط على "إسرائيل" من أكثر من جبهة.
معركة استنزاف طويلة الأمد
تظهر الأحداث الأخيرة أن جماعة أنصار الله استطاعت نقل المعركة إلى قلب مرفق اقتصادي استراتيجي لـ"إسرائيل"، حيث أصبح ميناء إيلات عرضة لضربات متكررة تؤثر على الاقتصاد والأمن والمجتمع المحلي، "إسرائيل" تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما تكثيف الإجراءات العسكرية والأمنية بتكاليف باهظة، أو تقليص دور الميناء وتحويل النشاط التجاري إلى موانئ أخرى أقل عرضة للتهديد، وفي الحالتين، فإن الواقع الجديد يشير إلى أن معركة الميناء لن تنتهي قريباً، وأنها قد تتحول إلى نموذج طويل الأمد لحرب استنزاف تستنزف الموارد وتضغط على المعنويات وتعيد رسم التوازنات الإقليمية في البحر الأحمر.