الوقت – في أعقاب العدوان الصهيوني على صنعاء واغتيال رئيس الوزراء وعدد من وزراء حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، انعقد إجماع قادة أنصار الله على شتى المستويات على حتمية توجيه رد فاصل ومُندِم للعدو المحتل، ثأراً لدماء شهداء مجلس الوزراء.
ومع تصاعد اللهجة الحازمة من أرباب القرار في صنعاء، تعاظمت التكهنات حول طبيعة رد أنصار الله على الجرائم الأخيرة، وتشي تهديداتهم بـ"الانتقام المُبرِح" و"المفاجآت الحقيقية" بالعزم الأكيد لهذه الجماعة في الرد على اعتداءات تل أبيب.
أثبتت الوقائع أن محور المقاومة متى أطلق وعداً أنفذه، وها هم أنصار الله، كضلعٍ وطيد في هذه الجبهة، يعقدون العزم على استخدام كل ما في جعبتهم لتوجيه رد قاصم ولائق للصهاينة.
وتُعد استعدادات الصهاينة لمواجهة أي سيناريو محتمل من اليمنيين، شاهداً بحد ذاته على قرب الانتقام الموجع وتداعياته الوخيمة.
أدوات أنصار الله للثأر من الصهاينة
تمتلك أنصار الله ترسانةً من الخيارات للرد على الكيان الصهيوني استناداً إلى قدراتهم العسكرية.
تتربع منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة على عرش أدوات أنصار الله للرد على "إسرائيل"، ففي الأعوام المنصرمة، تمكنت هذه الجماعة من تصنيع صواريخ باليستية وكروز بمديات متفاوتة، استطاعت مراراً دكّ أهداف استراتيجية في عمق الأراضي المحتلة، ونظراً لضآلة مساحة الأراضي المحتلة التي أفضت إلى تكدس البنى التحتية الحيوية والاقتصادية المهمة لهذا الكيان، وخاصةً في المدن الساحلية، فإن استهداف منشآت الطاقة والقواعد العسكرية والمطارات والمراكز اللوجستية، قد يُحدِث تأثيراً بالغاً على القدرة العملياتية والنفسية للكيان الصهيوني.
من نفائس الإنجازات العسكرية اليمنية الحديثة، الصواريخ العنقودية التي أُميط اللثام عنها قبل أسابيع في هجوم على الأراضي المحتلة، برهنت صعوبة اعتراض هذه الصواريخ، حتى بالنسبة لمنظومات الدفاع الصهيونية متعددة الطبقات، على أن قدرات اليمنيين بالغة التطور والتهديد، وأن العدو يرزح تحت وطأة ضغط هائل في مواجهة مثل هذه التهديدات، وبالتالي فإن إعادة استخدام هذه الصواريخ، ستُعسِّر الأمور بلا ريب على المحتلين.
كما توعّد قادة صنعاء بامتلاكهم قدرات لا يُحيط بها علماً حتى حلفاؤهم، وأكدوا أن في جعبتهم مفاجآت جمة للکيان الصهيوني، هذه التصريحات رسالة جلية عن استعداد وقدرة اليمنيين الرادعة ضد اعتداءات الكيان الصهيوني، والتي ستقلب موازين الردع في المنطقة مستقبلاً.
علاوةً على ذلك، تضطلع الطائرات المسيرة بعيدة المدى المصنعة محلياً في اليمن، بدورٍ فريد في العمليات ضد الأراضي المحتلة، بوسع هذه الطائرات مهاجمة أهداف يتعذر الوصول إليها مباشرةً بالصواريخ، كما أن العمليات بالطائرات المسيرة تقلّص المخاطر على القوات البرية لأنصار الله، ويمكنها أن تضاعف من عنصر المباغتة.
يُعد الاستخدام المتآزر للصواريخ والطائرات المسيرة، إحدى الاستراتيجيات الناجعة للضغط المباشر على تل أبيب والرد على اغتيال المسؤولين اليمنيين، في الأيام الأخيرة، اخترقت عدة طائرات مسيرة يمنية الأراضي المحتلة عبر البحر الأحمر وحتى البحر المتوسط، ما يبرهن على قدرتها على استهداف الأراضي المحتلة من مسارات متباينة غرباً وشرقاً، وتکشف هذه التحركات بوضوح القدرة العملياتية ومدى نفوذ اليمنيين.
ولما كان البحر الأحمر يُعد أحد الشرايين الحيوية لعبور السفن الصهيونية، تستطيع أنصار الله زرع الألغام أو مهاجمة سفن هذا الكيان وزوارقه، ما يُحدِث اضطراباً في النقل البحري ويفرض ضغطاً اقتصادياً وعسكرياً على الصهاينة.
نجحت هذه الحركة خلال العامين المنصرمين، من خلال تنفيذ عمليات صاروخية واسعة النطاق وتدمير أو احتجاز عدة سفن إسرائيلية، في تقليص حركة السفن الصهيونية في هذا الممر المائي إلى الصفر عملياً، واستمرار هذا النهج كأحد خيارات الرد على الکيان، يمكن أن يُكبِّد تل أبيب خسائر لا سبيل إلى جبرها.
من ناحية أخرى، في عصر الرقمنة، تضطلع الهجمات السيبرانية بدور محوري في الحروب المعاصرة، ويمكن لأنصار الله استهداف البنية التحتية الرقمية والاتصالات الإسرائيلية، ويُعد اختراق شبكات الحاسوب وكشف المعلومات الحساسة وتعطيل الأنظمة الحيوية، جزءاً من خيارات الانتقام السيبراني لهذه الجماعة.
للهجمات السيبرانية مزايا عديدة؛ أولها، إمكانية تنفيذها دون الحاجة إلى وجود مباشر في ساحة الحرب، وثانيها، امتلاكها لعنصر مباغتة عالٍ، ويمكن أن يضاعف المزج بين الهجمات السيبرانية والهجمات الصاروخية أو بالطائرات المسيرة، من نجاعة العمليات.
بوسع أنصار الله أيضاً خلق ضغط نفسي على "إسرائيل"، من خلال التهديدات العلنية والإعلامية، إن إعلان خطط الانتقام، ونشر معلومات حول القدرات العسكرية، وإقامة تحالفات مع جماعات ودول تناهض الكيان المحتل، من شأنه أن يُفاقم الضغط السياسي والأمني على تل أبيب.
لجوء الصهاينة إلى سراديب الأرض
خلَّفت التحذيرات المتواترة من قادة صنعاء بشأن الانتقام المُبرِح من الكيان الصهيوني، آثاراً نفسيةً عميقةً في الأراضي المحتلة، وأثارت ذعراً شديداً لدى أقطاب تل أبيب.
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن اجتماعات حكومة نتنياهو عقب عملية اغتيال مسؤولي صنعاء، نُقلت إلى مكان سري وأُحيطت بطوق أمني مشدد، كما أكد موقع “والا” أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، يتأهّب لمواجهة هجمات يمنية محتملة، ونقل “والا” عن مصادر في سلاح الجو الصهيوني، أن اليمنيين يمتلكون قدرات تصنيع محلية لإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد يسعون إلى تحدي أنظمة الكشف والدفاع الجوي، ولهذا السبب تم تعزيز تشكيلات سلاح الجو محلياً.
إن انعقاد اجتماعات حكومة نتنياهو في ملاجئ تحت الأرض توقياً من هجمات صواريخ وطائرات أنصار الله المسيرة، هو إقرار ضمني من تل أبيب بالقدرات الفائقة لليمنيين، ويُظهر أن الکيان يرتعد خوفاً من دقة ومدى وقدرات أنصار الله العسكرية، ويشي هذا بأن تل أبيب لم تعد قادرةً على ضمان أمنها حتى في الأراضي المحتلة، إلى درجة أنها أضحت في موقفٍ دفاعي محض، وتمكن خصومها من إيصال شبح الحرب إلى قلب الأراضي المحتلة.
وفي الوقت الذي كانت تُصوِّر فيه تل أبيب نفسها سابقاً كقوةٍ لا تُقهر، بلغت اليوم مرحلةً لا تخشى فيها حماس وحزب الله فحسب، بل تعدُّ اليمنيين أيضاً، على بُعد آلاف الكيلومترات من الأراضي المحتلة، تهديداً وجودياً لبقائها، ما ينبئ بأفول عصر القوة والهيمنة المزعومة لهذا الكيان في المنطقة.