الوقت- تنكبّ الولايات المتحدة على تكثيف قواتها البحرية في مياه فنزويلا، ووفقاً لما تناهى من تقارير صادرة عن أروقة البيت الأبيض، فإن أمريكا - متذرعةً بمجابهة تهديدات عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية - بعثت بقواتها العسكرية إلى المياه المتاخمة لفنزويلا، بل إن الخبراء يتنبؤون بإيفاد سفن حربية إضافية إلى هذه المياه في غضون الأسبوع القادم.
ومع انتشار البوارج الأمريكية المتعددة في المياه الفنزويلية، يلوح في الأفق تساؤل جوهري: هل تتأهب الولايات المتحدة لشن حملة عسكرية ضد الحكومة الفنزويلية؟ فمنذ سنوات والحكومة الفنزويلية بزعامة “نيكولاس مادورو” تعيش في دوامة من العداء المستحكم مع واشنطن، ويبدو أن ترامب يروم خوض مواجهة فاصلة مع فنزويلا.
الأساطيل والقوات المرسلة من أمريكا إلى فنزويلا
أكد مسؤول عسكري أمريكي في حديث لشبكة “بي بي إس”، أن البحرية الأمريكية نشرت حالياً مدمرتين صاروخيتين موجهتين هما “يو إس إس غريفلي” و"يو إس إس جيسون دانهام" في مياه البحر الكاريبي، فضلاً عن مدمرة “يو إس إس سمبسون” والسفينة الحربية “يو إس إس ليك إيري” في المحيط الهادئ قرب أمريكا اللاتينية، مع مخططات لتوسيع هذا الوجود العسكري.
وأضاف هذا المسؤول إن ثلاث سفن هجومية برمائية - تضمّ في أحشائها أكثر من 4000 بحار ومشاة بحرية - ستبلغ مياه أمريكا اللاتينية بحلول الأسبوع المقبل، في حين امتنع صناع القرار في البنتاغون عن تحديد وجهة السفن “يو إس إس إيوو جيما” و"يو إس إس سان أنطونيو" و"يو إس إس فورت لودرديل" بشكل دقيق، ويلوح في الأفق أن هاتين السفينتين سترسوان أيضاً بالقرب من المياه الفنزويلية.
كما أماط المسؤولون الأمريكيون اللثام عن أن عدة طائرات مراقبة من طراز P-8 وغواصة، تتمركز حالياً في المناطق المجاورة لفنزويلا.
وحسب ما کتبته صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذه السفن مدججة بصواريخ موجهة وتحمل في جعبتها أكثر من 90 صاروخاً، بما في ذلك صواريخ أرض-جو، وقيل إنها قادرة على شن حرب ضارية ضد الطائرات والغواصات وإسقاط الصواريخ الباليستية.
وأدلى “جيمس ستافريديس”، الأميرال والقائد السابق للقيادة الجنوبية للجيش الأمريكي، المتقاعد حالياً، بتصريح لصحيفة نيويورك تايمز مفاده بأن إرسال ثلاث مدمرات إلى سواحل فنزويلا، سيمنح ترامب القدرة على شن هجوم بري كاسح على فنزويلا من خلال صواريخ توماهوك، كما أن جمع المعلومات الاستخباراتية المتطورة، واستخدام ست مروحيات فائقة التقنية، ونشر ألف من جنود البحرية والبحارة، وغرفة قيادة متطورة لتنفيذ العمليات في عرض البحر، من بين الأهداف الأخرى لنشر هذه السفن بالقرب من المياه الفنزويلية.
العتاد الحربي والقوات العسكرية المنتشرة حول المياه الفنزويلية:
المدمرة الصاروخية الموجهة “يو إس إس غريفلي”
المدمرة الصاروخية “يو إس إس جيسون دانهام”
المدمرة “يو إس إس سمبسون”
السفينة الحربية “يو إس إس ليك إيري”
السفينة “يو إس إس إيوو جيما”
السفينة “يو إس إس سان أنطونيو”
السفينة “يو إس إس فورت لودرديل”
سفينة هجومية برمائية تضمّ أكثر من 4000 بحار ومشاة بحرية
طائرات مراقبة من طراز P-8 وغواصة
الذريعة الأمريكية المزعومة
لم تفصح الحكومة الأمريكية حتى ساعة كتابة هذه السطور عن أي هجوم بري مدبر لاقتحام أراضي فنزويلا، لكن انتشار هذا الحشد الهائل من السفن والقوات البحرية حول فنزويلا، أذكى نار التكهنات حول احتمال وجود خطة عسكرية أمريكية تستهدف فنزويلا.
وصرح “داريل كادل”، قائد العمليات البحرية للجيش الأمريكي في المياه الجنوبية للصحفيين، أن السفن الأمريكية أُرسلت إلى مياه أمريكا الجنوبية لمكافحة ومجابهة عصابات المخدرات، وأعرب كادل في قاعدة للبحرية في فرجينيا، عن قلقه البالغ إزاء تورط بعض الفنزويليين في تهريب المخدرات، لكنه نأى بنفسه عن تقديم تفاصيل حول أهداف العملية البحرية للجيش، قائلاً إن جلّ معلومات العملية البحرية الراهنة سرية ومصنفة.
لذا، يبدو أن الذريعة المعلنة للولايات المتحدة لإرسال الأساطيل الحربية على نطاق واسع إلى أمريكا الجنوبية، هي مواجهة عصابات المخدرات، لكن ثلة من المحللين يشككون في هذه الذريعة الأمريكية المزعومة.
المخدرات أم التدخل في شؤون فنزويلا؟
يذهب “كريستوفر ساباتيني”، الباحث في معهد تشاتام هاوس في لندن، إلى أن الانتشار الواسع للقوات البحرية الأمريكية حول المياه الفنزويلية ومضاعفة المكافأة لمواجهة مادورو من قبل الولايات المتحدة، ما هو إلا حلقة في سلسلة استراتيجية البيت الأبيض لإذكاء نار “الاحتجاجات وتحريض المعارضين” للحكومة الفنزويلية.
وأضاف هذا الخبير إنه لا تلوح في الأفق مؤشرات جدية على هجوم حقيقي ضد عصابات المخدرات، ويبدو أن إدارة ترامب تسعى، متذرعةً بمجابهة عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية، إلى تأليب معارضي الحكومة الفنزويلية.
وفي المقابل، رفض مادورو في فنزويلا الاتهامات المتعلقة بتهريب المخدرات من قبل الولايات المتحدة رفضاً قاطعاً، مؤكداً أن فنزويلا، على نقيض جارتها كولومبيا، لا تزرع أوراق الكوكا ولا تنتج الكوكايين، ووفقاً لمادورو، فإن توجيه الاتهامات والجرائم المتعلقة بالمخدرات، ما هي إلا اتهامات معتادة من البيت الأبيض ضد مسؤولي فنزويلا.
في المقابل، رحبت أطياف المعارضة لحكومة مادورو بالإجراءات الاستفزازية لإدارة ترامب وإرسال القوات العسكرية إلى المياه المجاورة لفنزويلا، فقد أعربت “ماريا كورينا ماتشادو”، زعيمة المعارضة، عن شكرها العميق لمسؤولي إدارة ترامب على إرسال السفن الحربية، مضيفةً إن ساعة التغيير قد دقت.
إن ترحيب معارضي مادورو بإرسال السفن الأمريكية إلى المياه المجاورة لفنزويلا، علامة جلية على مساعي الولايات المتحدة لتأجيج نار المعارضة.
وليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها الولايات المتحدة على إجراءات استفزازية ضد حكومة مادورو، ففي الخامس والعشرين من يناير عام 2019، اعترف ترامب، خلال ولايته الأولى، بـ"خوان غوايدو"، زعيم المعارضة آنذاك في فنزويلا، رئيساً مؤقتاً لفنزويلا، بل أعلن أن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وفنزويلا، يجب أن تنسجم مع الاعتراف بخوان غوايدو، واصطدم هذا الإجراء الأمريكي بجدار مسدود آنذاك، وفي نهاية المطاف تمت تنحية غوايدو بعد برهة من الزمن، وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن العملية العسكرية الأمريكية يمكنها أن تحقّق المرام الذي يتوخاه البيت الأبيض في فنزويلا.