الوقت - تشير المعطيات الراهنة إلى أنه بعد حقبة طويلة شابها التوتر والتذبذب في مسار العلاقات الإيرانية-الأذربيجانية، يشهد البلدان مرحلةً تاريخيةً من التقارب الملموس، مُدشنين بذلك عهداً جديداً من الشراكة الاستراتيجية والتعاون المثمر.
تُمثّل الزيارة الأخيرة التي قام بها حكمت حاجييف إلى طهران، واجتماعاته رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزشكيان، دلالةً واضحةً على الإرادة السياسية المشتركة لتعزيز أواصر العلاقات الثنائية، وتجاوز كل التحديات السابقة.
وقد أكد الجانبان خلال هذه اللقاءات المثمرة، على ضرورة الارتقاء بمستوى العلاقات في شتى المجالات، ولا سيما السياسية والاقتصادية والثقافية، كما تطرقت المباحثات إلى معالجة القضايا العالقة بروح من التفاهم المتبادل، والحرص على المصالح المشتركة.
من جانبه، أكد حاجييف، خلال مباحثاته المُعمّقة في طهران، أن جمهورية أذربيجان تنأى بنفسها عن أي توجهات قد تُشكّل هاجساً أمنياً لإيران، مُشدداً على التطلعات الاستراتيجية لباكو نحو توطيد أواصر التعاون مع إيران، وقد قوبل هذا الموقف بترحيبٍ من المسؤولين الإيرانيين، الذين استحضروا العمق التاريخي والتراث الثقافي المشترك بين الشعبين الشقيقين، داعين إلى الارتقاء بمستوى العلاقات على الصعيدين الرسمي والشعبي.
وتناولت المحادثات الثنائية سُبل تجاوز المستويات الراهنة للتبادل التجاري، حيث تبلورت رؤية مشتركة لتدشين مشروعات استراتيجية كبرى، وتهيئة المناخ الاستثماري الجاذب لرجال الأعمال من كلا البلدين.
وعلى الرغم من هذا الزخم الإيجابي في العلاقات الثنائية، تظل هناك تحديات تستدعي معالجةً حكيمةً، فمنذ عام 2016، لم تشهد العلاقات الدبلوماسية زيارات على مستوى القمة، رغم تواتر اللقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين.
وفي هذا السياق، أبدى إسماعيل بقائي، الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية، تفاؤله بأن تُفضي هذه الزيارات إلى آفاق أرحب من التعاون المشترك، مؤكداً المكانة المحورية لأمن القوقاز الجنوبي في المنظور الاستراتيجي الإيراني، واستعداد طهران للإسهام في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار الإقليمي.
في هذا السياق، يتساءل المحللون عما إذا كانت هذه التطورات تُمهّد لعهدٍ جديد من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفي حين يصعب استشراف المستقبل بيقين قاطع، إلا أن المؤشرات الراهنة تبعث على التفاؤل الحذر، مع الإقرار بوجود تحديات تتطلب جهوداً دؤوبةً ومشتركةً لتذليلها.
هل تلوح في الأفق بوادر مصالحة بين طهران وباكو؟
في قراءة للمشهد الدبلوماسي الراهن، كشف المحلل السياسي الأذربيجاني آيدين قلييف، في حديث خاص لصحيفة "يني مساوات"، عن أبعاد استراتيجية بالغة الأهمية للزيارة التي قام بها حكمت حاجييف، المستشار الخاص للرئيس الأذربيجاني، إلى العاصمة الإيرانية ولقاءاته رفيعة المستوى مع صنّاع القرار في طهران.
وأشار قلييف، في معرض تحليله للدور المحوري الذي يضطلع به حاجييف كمبعوث رئاسي يحمل رؤى وتوجيهات القيادة الأذربيجانية، إلى أن المباحثات المستفيضة مع القيادة الإيرانية تنطوي على مضامين استراتيجية تخدم المصالح المشتركة للبلدين.
وأردف قائلاً: "يتطلع البلدان، بلا ريب، إلى تدشين فصل جديد في مسيرة علاقاتهما الثنائية، وسيتخذان خطوات ملموسة في هذا المضمار، ومن المتوقع أن تُفضي هذه المباحثات إلى معالجة جذرية للقضايا التي كانت تثير حساسية الجانب الأذربيجاني في السياسة الإيرانية، ولا سيما أن النهج الإيراني يتسم تاريخياً بالحرص على توطيد أواصر العلاقات مع دول الجوار".
وشدّد قلييف على أنه "في هذه المرحلة المفصلية، يتعين على طهران تكثيف تعاونها مع باكو لتسريع إنجاز مشروع الربط المباشر مع نخجوان، ولعل تطوير المحور اللوجستي الممتد من جبرائيل إلى نخجوان عبر الأراضي الإيرانية بمحاذاة نهر آراس، سيكون أحد أبرز ثمار المباحثات الراهنة، وفي ظل المعطيات الدولية الراهنة، فإن تعزيز العلاقات مع أذربيجان يفتح آفاقاً واعدةً أمام إيران، فالممر الاستراتيجي الرابط بين آسيا الوسطى وأذربيجان وأوروبا، يزخر بإمكانات هائلة لم تُستثمر بعد بالشكل الأمثل، ومع تحسن العلاقات الثنائية، ستتعاظم فرص إيران في الاستفادة من هذه الإمكانات الواعدة، کما أن مباحثات حاجييف في طهران، قد تُفضي إلى تحولات جوهرية في المقاربة الإيرانية للملفات الإقليمية".
إيران تسعى لتخفيف حدة التوتر مع أذربيجان
كشف المحلل الأذربيجاني إلخان شاهين أوغلو، عن الأبعاد الجيوسياسية للزيارة الدبلوماسية رفيعة المستوى التي قام بها حكمت حاجييف، المستشار الخاص للرئيس الأذربيجاني، إلى العاصمة الإيرانية ولقاءاته مع صنّاع القرار في طهران.
وأوضح شاهين أوغلو: "تنطوي هذه المبادرة الدبلوماسية على دلالات استراتيجية متعددة المحاور:
أولاً: حملت الزيارة رسالةً واضحةً مفادها بأن باكو تنتهج سياسةً براغماتيةً تستهدف تعزيز أواصر التعاون المثمر مع جارتها الجنوبية، بعيداً عن أي توترات.
ثانياً: في ظل التحديات التي تواجه تفعيل ممر زنجيزور نتيجة المواقف الأرمينية، تولي أذربيجان أهميةً قصوى للمسار اللوجستي عبر الأراضي الإيرانية المحاذي لنهر آراس، حيث تشارف أعمال الجسر الاستراتيجي على الاكتمال، إن تسريع وتيرة تفعيل هذا المحور الحيوي، سيعود بمنافع اقتصادية جمّة على دول المنطقة كافةً، وهو ما يحظى بتفهّم عميق من الجانب الإيراني.
ثالثاً: تم تجديد التأكيد للقيادة الإيرانية على أن شبكة العلاقات الدولية لأذربيجان، بما فيها تلك القائمة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، لا تستهدف بأي حال المصالح الإيرانية.
رابعاً: تعقد باكو آمالاً واعدةً على نهج الرئيس الإيراني المعتدل مسعود بزشكيان، الذي يُبدي بدوره اهتماماً استراتيجياً بتطوير العلاقات مع أذربيجان، وتشير المعطيات إلى أن المباحثات في طهران، قد مهّدت الطريق لعقد قمة رئاسية مرتقبة بين قائدي البلدين في المستقبل المنظور.