الوقت- دشّنت كل منّ روسيا وإيران وسوريا والعراق حلفاً رباعياً بشقّ أمني حيث عقد الثلاثاء، أوّل اجتماع على مستوى كبار مسؤولي الأمن القومي، في مدينة زافيدوفا شمال العاصمة الروسية، حيث تركزت المباحثات على استمرار التعاون لمكافحة الإرهاب .
الاجتماع الجديد الذي تمّ بحضور كل من أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظرائه العراقي فالح فياض والسوري علي المملوك والروسي نيكولاي باتروشيف، يأتي خطوة متقدّمة على تعاون هذه الدول فيما بينها في مكافحة الإرهاب، بعد شهر تقريباً على الاجتماع الذي عقد بين وزراء الدفاع في دول سوريا وروسيا وإيران في موسكو، وأقل من سنة على الاجتماع الذي عقد في طهران في حزيران 2016، وأكثر من سنة ونصف على إنشاء مركز معلوماتي يضم ممثلي هيئات أركان جيوش الدول الأربع(روسيا وإيران وسوريا والعراق).
نتائج الاجتماع
تنطلق أهميّة الاجتماع من كونه يبحث المزيد من التعاون والتنسيق لحفظ الاستقرار في المنطقة، حيث قدّمت كل دولة رؤيتها وبرنامجها لـ" لاستمرار التعاون المشترك من اجل التصدي للإرهاب"، إضافةً إلى بحث "التعاون بين سوريا والعراق في الحدود المشتركة بينهما، بهدف الحيلولة دون ازدياد تحركات فلول الإرهابيين".
وقد خرج المجتمعون بنتائج عدّة منها ما هو طويل الأمد، ومنها ما يتعلّق بمتغيّرات المنطقة، لاسيّما التطورات الأخيرة فقد أكد المجتمعون أن التصريحات التي أطلقت في اجتماع الرياض غير بناءة وتزيد التوتر. كما تم التطرق لاستمرار التعاون بين ايران وروسيا تركيا من اجل تحقيق تقدم في مبادرة اجتماع آستانا وخاصة الحفاظ على الهدنة، وإيجاد المناطق الأربعة لخفض التوتر في سوريا.
وفي حين اكّد المندوب الإيراني شمخاني أنّ "رفض قبول مقترح إيران وروسيا بشأن إجراء تحقيق مستقل وحيادي حول الهجوم الكيميائي المزعوم في منطقة خان شيخون بريف إدلب هو دليل على الذرائع الأمريكية للتدخل العسكري غير المشروع في سوريا"، اعتبر المندوب الروسي باتروشيف أن عقد اجتماع مثل اجتماع أمناء مجالس الأمن القومي للدول الأعضاء في الائتلاف الحقيقي ضد الإرهاب هو " مسار موثوق لإحلال الحوار محل الخيار العسكري والعنف"، واصفاً تجربة التعاون الوثيق والمؤثر بين إيران وروسيا على صعيد مكافحة الإرهاب بـ" الناجحة جدا".
وبين النجاح وعدمه، يعدّ هذا الائتلاف الرباعي ضمان لإعادة الاستقرار إلى سوريا والعراق، وكذلك حاجةً ملحّة اليوم لشعوب المنطقة بغية تخليصها من الجماعات الإرهابية، أي أنّه خطوة متقدّمة في سياق الخطوات السابقة التي كانت تتمّ بشكل ثلاثي في إطار مواجهة الإرهاب، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى عدّة نقاط أبرزها:
أوّلاً: رغم أهمّية العمليات الفردية في مكافحة الإرهابي (كل دولة على حدّة)، إلا أن تشابك الجبهات وتعاون الجماعات التكفيرية فيما بينها يفرض إيجاد تحالف يتضمّن رؤية أمنية وعسكرية مشتركة في مقاربة هذا الموضوع. ولعل مسألة التعاون بين سوريا والعراق في الحدود المشتركة بينهما، من أهم مخرجات اللقاء، خاصّةً إذا تمّت معالجة هذا الأمر برؤية مشتركة تنسّق حضور الجيشين السوري والعراقي على طرفي الحدود.
ثانياً: كشف البيان الصادر عن الاجتماع جانباً من أهميّة اللقاء حيث أكّدوا أنّ "التحالفات غير المؤثرة في محاربة الإرهاب هي تحالفات دعائية، خصوصاً تلك التي تسهم فيها الدول الغربية والحكومات ذات السوابق المعروفة في دعم الإرهاب".
ثالثاً: رغم أهميّة اللقاءات التي انعقدت سابقاً على مستوى وزراء الدفاع، إلا أنّ أهميّة هذا اللقاء الذي جاء على هامش الاجتماع الأمني الدولي الثامن في روسيا، تنطلق من كونه يرتبط بمجالس الأمن القومي. أي أنّ هذه المجالس تعدّ درجةً أعلى في التنسيق من جلسات وزراء الدفاع. بعبارة أخرى، إذا كانت اجتماعات وزراء الدفاع تكتيكية لمواجهة الإرهاب، فإن الاجتماع الأخير استراتيجي، وإن كانت الأولى استراتيجية، فإن الأخيرة ما فوق استراتيجية.
رابعاً: إن استمرار عمليّة التنسيق الأمنيّ والعسكري بين هذه الدول يرفع من مستوى زيادة تأثير خطط التصدي للإرهاب في المنطقة عموماً، وسوريا والعراق على وجه الخصوص، وبالتالي لا بدّ من استمرار المشاورات وتبادل المعلومات على كافّة الصعد. ولعل ضعف الأمم المتحدّة في حماية أمن دول المنطقة من ناحية، وأطماع دول غربية وإقليمية من ناحية أخرى يعزّز من أهميّة هذا التنسيق.
خامساً: أظهرت تجارب السنوات الماضية ضرورة وجود رؤية جماعيّة مشتركة في مقاربة عملية مكافحة الإرهاب على الصعيدين الأمني والعسكري، ولعلّ تجربة التعاون الأمني الروسي الإيراني السوري، ورغم محدوديّتها الزمنية، خير دليل عن نجاعة الخطوات الجماعيّة في مكافحة الإرهاب.
سادساً: من الناحية التقنيّة والعلمية تعدّ مسألة التنسيق بين مختلف الجبهات من أحدث المواضيع التي تعالج في مسألة إدارة الأزمات كما أنّها أحد أهم المسائل التي تدخل في إطار البحث العلمي، المدني والعسكري، وتحديداً لوزارة الدفاع الأمريكية عبر إيجاد نظام واحد وفق نظرية أنظمة الأنظمة system ofsystems(sos).
بعيداً عن الإشارات المتعلّقة بالاجتماع، وبعد فترة على تشكيل تحالف دولي تصحّ تسميته بالوهمي ضدّ الإرهاب، نشهد اليوم تشكيل تحالف جديد ضدّ الإرهاب، إلاّ أنه حقيقي نظراً للنجاحات العسكرية والسياسية لهذا التحالف الذي قادت أعماله إلى إقرار وقف الأعمال القتالية والحد من سفك الدماء في سوريا، سواءً في الاستانة نفسها، أو نتائجه في مناطق وقف التصعيد.