الوقت- منذ عام تقريبا وبعيد الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في تركيا، بدأت الخلافات التركية الألمانية تظهر إلى العلن بشكل أقوى وأكثر وضوحا، وكان من الواضح أن العلاقات بين البلدين بدأت مرحلة جديدة تتسم بالتوتر الواضح والصراع المفتوح على مصرعيه. والجديد اليوم هو الخلاف الألماني التركي حول قاعدة انجرليك الجوية وهذا ما ينذر باحتمال تباعد أكثر بين أنقرة وبرلين وتخلي تركيا عن الغرب وحسم عدم إمكانية دخولها في الاتحاد الأوروبي.
طبعا السنوات السابقة لم تكن العلاقة أفضل خاصة في ظل الممانعة الألمانية من دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن وبسبب الأزمة في سوريا والدور التركي في ضبط حركة اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا إضافة إلى أهمية الحفاظ على الأمن في تركيا وتأمين قاعدة انجرليك العسكرية التابعة لحلف الناتو الذي يضم كلا من أنقرة وبرلين، بقيت هذه الخلافات غير علنية كما هي عليه الحال اليوم.
وبالعودة إلى قاعدة أنجرليك التي تقع على الحدود التركية السورية، فمع بداية الأزمة السورية كان هناك قلق أوروبي من سريان الفلتان الأمني إلى داخل تركيا، ولذلك قامت بعض الدول العضو في الناتو ومنها ألمانيا بنقل تجهيزات عسكرية منها منظومة الباتريوت الأمريكية إلى القاعدة التركية، ليتشكل بعدها التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة أمريكا مما زاد من أهمية هذه القاعدة بالنسبة للغرب.
فالقاعدة وبسبب قربها من الحدود السورية وفرت إمكانية مناورة عالية بالنسبة للمقاتلات الأمريكية والغربية، كما أنها ساعدت ألمانيا على توفير السلاح للأكراد في كردستان العراق من خلال تلك القاعدة.
اليوم ورغم أن تركيا لا زالت ترى مصلحة لها في بقاء قوات الناتو في قاعدة انجرليك، إلا أن الخلاف المستعرة بينها وبين ألمانيا باتت تشكل عقبة حقيقية أمام استمرار هذا التعاون الغربي التركي.
لم تغب عن أذهان ألمانيا وبالتحديد أنجيلا ميركل التهديدات والابتزاز التركي المتكرر بورقة اللاجئين السوريين، فتركيا استفادت من هذه الورقة بشكل ضاغط، في وقت كانت تستطيع إغلاق معابر نفوذ اللاجئين إلى القارة الأوروبية، وعدم التعاون التركي أدى بميركل إلى التوجه لمصر للتباحث في حل أزمة تهريب اللاجئين من شمال إفريقيا عبر المتوسط. وبعيد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، قام أردوغان بإعادة أحكام الإعدام و ردا على الانتقادات الألمانية منع وفدا برلمانيا ألمانيا من تفقد جنودهم في قاعدة انجرليك العسكرية.
هذا الأمر كان بمثابة الشعرة التي قسمت ظهر البعير، مما أدى بوزير الخارجية الألماني لتهديد تركيا بسحب قواته من القاعدة إضافة إلى سحب طائرات تورنادو وطائرات الآواكس التجسسية التابعة لحلف الناتو، وفي نفس السياق انتشرت أخبار أكدها وزير الدفاع الألماني بتفقده قاعدة بديلة في الأردن، الأخبار مفادها النية الحتمية لنقل القوات الألماينة من أنجرليك إلى مكان آخر في قلب الشرق الأوسط الذي تبين لاحقا أنه الأردن.
هنا من الجيد ملاحظة بعض الأمور المهمة، انتقال 250 جندي ألماني مع تجهيزاتهم وعتادهم من جنوب تركيا إلى الأردن مسألة مكلفة جدا، خاصة أن برلين كانت قد أقرّت مبلغ 58 مليون يورو من أجل تعزيز الحضور العسكري الألماني في انجرليك، وحول هذا الرقم يؤكد خبير عسكري أمني ألماني هو كريستوف هرتزل أن هذا المبلغ الضخم ليس فقط من أجل تعزيز الجهوزية العسكرية بل إن جُلّه يُصرف على محطات تجسس فني على تنظيم داعش إضافة إلى الحركات المتطرفة الأخرى المدعوم بعضها من الغرب، ولذلك فإن مسألة الانتقال في المرحلة الحالية إنما بسبب تغيير الاستراتيجية الغربية اتجاه الأزمة السورية بشكل عام، والنية في التواجد في الجنوب السوري بحجة داعش أيضا على رغم عدم وجود التنظيم في تلك المنطقة الجغرافية. ويؤكد هذا الأمر المناورة العسكرية على الحدود الأردنية السورية التي شارك فيها 7 آلاف عسكري من 21 دولة خلال الأسابيع الماضية.
وبناء عليه فإن ما حصل من خلاف بين تركيا وألمانيا كان مدبرا من قبل الألمان، حيث أن البرلمان الألماني وفي ذكرى مذبحة الأرمن المتهم بها العثمانيون أعلن عن إدانة أنقرة. ولم يمر وقت قليل حتى طلب البرلمان تفقد الجنود الألمان في قاعدة انجرليك وهو يعلم أن الأتراك سيرفضون في رد على الإدانة الأخيرة. وبذلك تكون ألمانيا قد أثارت مشكلة مع تركيا تستطيع من خلالها إقناع شعبها برفع مستوى التوتر وإخراج عسكرييها من هناك مهما بلغت التكلفة.
ومن ناحية أخرى تتمكن ألمانيا من الدفع باتجاه رفض ملف دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي، وهي كانت من الأصل مخالفا أساسيا لذلك. كما أن تركيا وبشكل تلقائي تكون قد خرجت من الحلف الغربي حول الملف السوري.